تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [٦٦/٢]، فدل على عموم حكم الخطاب بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾، ونظير ذلك أيضاً في سورة الأحزاب في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ [٣٣/١]، ثم قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ [٤/٩٤]، فقوله: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، يدل على عموم الخطاب بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾، وكقوله: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ﴾ [١٠/٦١]، ثم قال: ﴿وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً﴾ الآية.
ومن أصرح الأدلة في ذلك آية الروم، وآية الأحزاب، أما آية الروم فقوله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً﴾ [٣٠/٣٠]، ثم قال: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ [٣٠/٣١]، وهو حال من ضمير الفاعل المستتر، المخاطب به النبي ﷺ في قوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾ الآية.
وتقرير المعنى: فأقم وجهك يا نبي الله، في حال كونكم منيبين، فلو لم تدخل الأمة حكماً في الخطاب الخاص به ﷺ لقال: منيباً إليه، بالإفراد، لإجماع أهل اللسان العربي على أن الحال الحقيقية أعني التي لم تكن سببية تلزم مطابقتها لصاحبها إفراداً وجمعاً وثنية، وتأنيثاً وتذكيراً، فلا يجوز أن تقول: جاء زيد ضاحكين، ولا جاءت هند ضاحكات، وأما آية الأحزاب، فقوله تعالى في قصة زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [٣٣/٣٧]، فإن هذا الخطاب خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقد صرح تعالى بشمول حكمته لجميع المؤمنين في قوله: ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ﴾ الآية، وأشار إلى هذا أيضاً في الأحزاب بقوله: ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [٣٣/٥٠]، لأن الخطاب الخاص به ﷺ في قوله: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾ الآية، لو كان حكمه خاصاً به ﷺ لأغنى ذلك عن قوله: ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، كما هو ظاهر.
وقد ردت عائشة رضي الله عنها على من زعم أن تخيير الزوجة طلاق، بأن رسول الله ﷺ خير نساءه فاخترنه، فلم يعده طلاقاً مع أن الخطاب في ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم، في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ﴾ الآيتين [٣٣/٢٨].
وأخذ مالك رحمه الله بينونة الزوجة بالردة من قوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [٣٩/٦٥]، وهو خطاب خاص به صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon