من الشر، وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [٢/٢٠٥].
فإذا علمت ذلك، فاعلم أن المحارب الذي يقطع الطريق، ويخيف السبيل، ذكر الله أن جزاءه واحدة من أربع خلال هي: أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض، وظاهر هذه الآية الكريمة: أن الإمام مخير فيها، يفعل ما شاء منها بالمحارب، كما هو مدلول، أو لأنها تدل على التخيير.
ونظيره في القرآن قوله تعالى: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [٢/١٩٦]، وقوله تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [٥/٨٩]، وقوله تعالى: ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً﴾ [٥/٩٥].
وكون الإمام مخيراً بينهما مطلقاً من غير تفصيل، هو مذهب مالك، وبه قال سعيد بن المسيب، ومجاهد، وعطاء، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، والضحاك، كما نقله عنهم ابن جرير، وغيره، وهو رواية ابن أبي طلحة، عن ابن عباس، ونقله القرطبي، عن أبي ثور، وسعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، والضحاك، والنخعي، ومالك، وقال: وهو مروي عن ابن عباس.
ورجح المالكية هذا القول بأن اللفظ فيه مستقل غير محتاج إلى تقدير محذوف، لأن اللفظ إذا دار بين الاستقلال، والافتقار إلى تقدير محذوف، فالاستقلال مقدم، لأنه هو الأصل، إلا بدليل منفصل على لزوم تقدير المحذوف، وإلى هذا أشار في "مراقي السعود" بقوله:[الرجز]

كذاك ما قابل ذا اعتلال من التأصل والاستقلال
إلى قوله: [الرجز]
كذاك ترتيب لإيجاب العمل بما له الرجحان مما يحتمل
والرواية المشهورة عن ابن عباس، أن هذه الآية منزلة على أحوال، وفيها قيود مقدرة، وإيضاحه: أن المعنى أن يقتلوا إذا قتلوا، ولم يأخذوا المال، أو يصلبوا إذا قتلوا وأخذوا المال، أو تقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا المال ولم يقتلوا أحداً،


الصفحة التالية
Icon