اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذاباً لم تعذبه أحداً من العالمين، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت، فأصبحوا خنازير.
وأن هذا معنى لعنهم على لسان داود، وعيسى ابن مريم، وفي الآية أقوال غير هذا تركنا التعرض لها، لأنها ليست مما نحن بصدده.
قوله تعالى: ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾، قد قدمنا في سورة البقرة أن المراد بما عقدتم الأيمان، هو ما قصدتم عقد اليمين فيه، لا ما جرى على ألسنتكم من غير قصد نحو "لا والله" و "بلى والله"، ومنه قول الفرزدق: [الطويل]

ولست بمأخوذ بلغو تقوله إذا لم تعمد عاقدات العزائم
وهذا العقد معنوي، ومنه قول الخطيئة:
قوم إذا عقدوا عقداً لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
وقرأه حمزة، والكسائي، وشعبة عن عاصم: ﴿عَقَّدْتُمُ﴾ [٥/٨٩]، بالتخفيف بلا ألف. وقرأه ابن ذكوان عن ابن عامر "عاقدتم" بألف بوزن فاعل، وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف، والتضعيف والمفاعلة: معناهما مجرد الفعل بدليل قراءة: ﴿بِمَا عَقَّدْتُمُ﴾ بلا ألف، ولا تضعيف، والقراءات يبين بعضها بعضاً، و ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿بِمَا عَقَّدْتُمُ﴾ مصدرية على التحقيق لا موصولة، كما قاله بعضهم زاعماً أن ضمير الرابط محذوف.
وفي المراد: ﴿بِاللَّغْوِ﴾ في الآية أقوال أشهرها عند العلماء اثنان:
الأول: أن اللغو ما يجري على لسان الإنسان من غير قصد، كقوله "لا والله" و "بلى والله".
وذهب إلى هذا القول الشافعي، وعائشة في إحدى الروايتين عنها، وروي عن ابن عمر، وابن عباس في أحد قوليه، والشعبي، وعكرمة في أحد قوليه، وعروة بن الزبير، وأبي صالح، والضحاك في أحد قوليه، وأبي قلابة، والزهري، كما نقله عنهم ابن كثير، وغيره.
القول الثاني: أن اللغو هو أن يحلف على ما يعتقده، فيظهر نفيه: وهذا هو


الصفحة التالية
Icon