وأجيب من جهة الجمهور بأن قوله: ﴿رِجْسٌ﴾، يقتضي نجاسة العين في الكل، فما أخرجه إجماع، أو نص خرج بذلك، وما لم يخرجه نص ولا إجماع، لزم الحكم بنجاسته، لأن خروج بعض ما تناوله العام بمخصص من المخصصات، لا يسقط الاحتجاج به في الباقي، كما هو مقرر في الأصول، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود: [الرجز]
وهو حجة لدى الأكثر إن... مخصص له معيناً يبن
وعلى هذا، فالمسكر الذي عمت البلوي اليوم بالتطيب به المعروف في اللسان الدارجي بالكولانيا نجس لا تجوز الصلاة به، ويؤيده أن قوله تعالى في المسكر: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾، يقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء من المسكر، وما معه في الآية بوجه من الوجوه، كما قاله القرطبي وغيره.
قال مقيده عفا الله عنه: لا يخفى على منصف أن التضمخ بالطيب المذكور والتلذذ بريحه واستطابته. واستحسانه مع أنه مسكر، والله يصرح في كتابة بأن الخمر رجس فيه ما فيه، فليس للمسلم أن يتطيب بما يسمع ربه يقول فيه: إنه ﴿رِجْسٌ﴾، كما هو واضح، ويؤيده أنه ﷺ أمر بإراقة الخمر فلو كانت فيها منفعة أخرى لبينها، كما بين جواز الانتفاع بجلود الميتة، ولما أراقها.
واعلم أن ما استدل به سعيد بن الحداد، القروي على طهارة عين الخمر بأن الصحابة أراقوها في طرق المدينة، ولو كانت نجسة، لما فعلوا ذلك ولنهاهم النبي ﷺ عن ذلك، كما نهاهم عن التخلي في الطرق، لا دليل له فيه، فإنها لا تعم الطرق، بل يمكن التحرز منها، لأن المدينة كانت واسعة، ولم تكن الخمر كثيرة جداً بحيث تكون نهراً أو سيلاً في الطرق يعمها كلها، وإنما أريقت في مواضع يسيرة يمكن التحرز منها، قاله القرطبي، وهو ظاهر.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾، هذه الآية الكريمة يفهم من دليل خطابها أي مفهوم مخالفتها أنهم إن حلوا من إحرامهم، جاز لهم قتل الصيد، وهذا المفهوم مصرح به في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [٥/٢]، يعني إن شئتم كما تقدم إيضاحه في أول هذه السورة الكريمة.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً﴾، الآية.


الصفحة التالية
Icon