وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [٥١/٥٨، ٥٧، ٥٦]، وقراءة الجمهور على أن الفعلين من الإطعام، والأول مبني للفاعل، والثاني مبني للمفعول، كما بيناه، وأوضحته الآية الأخرى. وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد، والأعمش. الفعل الأول كقراءة الجمهور، والثاني بفتح الياء والعين مضارع طعم الثلاثي بكسر العين في الماضي، أي أنه يرزق عباده، ويطعمهم وهو جل وعلا، لا يأكل، لأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه المخلوق من الغداء، لأنه جل وعلا الغني لذاته، الغني المطلق، سبحانه وتعالى علواً كبيراً، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [٣٥/١٥].
والقراءة التي ذكرنا عن سعيد ومجاهد، والأعمش موافقة لأحد الأقوال في تفسير قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [١١٢/٢]، قال بعض العلماء: ﴿الصَّمَدُ﴾ السيد الذي يلجأ إليه عند الشدائد والحوائج. وقال بعضهم: هو السيد الذي تكامل سؤدده وشرفه وعظمته، وعلمه وحكمته، وقال بعضهم: ﴿الصَّمَدُ﴾ هو الذي ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾، وعليه فما بعده تفسير له. وقال بعضهم: هو الباقي بعد فناء خلقه، وقال بعضهم: ﴿الصَّمَدُ﴾ هو الذي لا جوف له، ولا يأكل الطعام، وهو محل الشاهد، وممن قال بهذا القول ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وعبد الله بن بريدة، وعكرمة، وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح، وعطية العوفي، والضحاك، والسدي. كما نقله عنهم ابن كثير وابن جرير وغيرهما.
قال مقيده عفا الله عنه: من المعروف في كلام العرب، إطلاق الصمد على السيد العظيم، وعلى الشيء المصمت الذي لا جوف له، فمن الأول قول الزبرقان:[البسيط]

سيروا جميعاً بنصف الليل واعتمدوا ولا رهينة إلا سيد صمد
وقول الآخر: [الطويل]
علوته بحسام ثم قلت له خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وقول الآخر: [الطويل]
ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
ومن الثاني قول الشاعر: [الطويل]


الصفحة التالية
Icon