عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}، ذكر تعالى ما أصاب المسلمين يوم حنين في هذه الآية الكريمة، وذكر ما أصابهم يوم أُحد بقوله: ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ [٣/١٥٣]، وصرح بأنه تاب على من تولى يوم أُحد بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ [٣/١٥٥]، وأشار هنا إلى توبته على من تولى يوم حنين بقوله: ﴿ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [٩/٢٦]، كما أشار بعض العلماء إليه.
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآية، أظهر الأقوال وأقربها للصواب في معنى: ﴿يَكْنِزُونَ﴾ [٩/٣٤]، في هذه الآية الكريمة، أن المراد بكنزهم الذهب والفضة وعدم إنفاقهم لها في سبيل الله، أنهم لا يؤدون زكاتهما.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: وأمَّا الكنز؟ فقال مالك: عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، هو المال الذي لا تؤدى زكاته.
وروى الثوري، وغيره، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: ما أدى زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وما كان ظاهراً لا تؤدى زكاته فهو كنز، وقد روي هذا عن ابن عباس، وجابر، وأبي هريرة، موقوفاً ومرفوعاً.
وقال عمر بن الخطاب نحوه: أيما مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفوناً في الأرض، وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه، وإن كان على وجه الأرض اهـ.
وممن روى عنه هذا القول عكرمة، والسدي، ولا شك أن هذا القول أصوب الأقوال؛ لأن من أدى الحق الواجب في المال الذي هو الزكاة لا يكوى بالباقي إذا أمسكه؛ لأن الزكاة تطهره كما قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [٩/١٠٣]؛ ولأن المواريث ما جعلت إلا في أموال تبقى بعد مالكيها.
ومن أصرح الأدلة في ذلك، حديث طلحة بن عبيد الله وغيره في قصة الأعرابي أخي بني سعد، من هوازن، وهو ضمام بن ثعلبة لما أخبره النَّبي صلى الله عليه وسلم: بأن الله فرض عليه الزكاة، وقال: هل على غيرها، فإن النَّبي قال له: "لا، إلا أن تطوع"، وقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [٢/٢١٩]، وقد قدمنا في "البقرة" تحقيق أنه ما زاد


الصفحة التالية
Icon