سبق له العلم بأنه شقي صار إلى الشقاوة، ويدل لهذا الوجه قوله بعده: ﴿فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾ [٧/٣٠]، وهو ظاهر كما ترى، ومن الآيات الدالة عليه أيضاً قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ [٦٤/٢]، وقوله: ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ الآية [١١/١١٩]، أي: ولذلك الاختلاف إلى شقي، وسعيد خلقهم.
الوجه الثاني: أن معنى قوله: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [٧/٢٩]، أي: كما خلقكم أولاً، ولم تكونوا شيئاً، فإنه يعيدكم مرة أخرى، ويبعثكم من قبوركم أحياء بعد أن متم وصرتم عظاماً رميماً، والآيات الدالة على هذا الوجه كثيرة جداً، كقوله: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا﴾ [٢١/١٠٤]، وقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ الآية [٣٠/٢٧]، وقوله: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ الآية [٣٦/٩٧]، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [٢٢/٥]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أنه قد يكون في الآية وجهان، وكل واحد منهما حق، ويشهد له القرآن، فنذكر الجميع؛ لأنه كله حق، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾، بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أن الكفار اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، ومن تلك الموالاة طاعتهم لهم فيما يخالف ما شرعه الله تعالى، ومع ذلك يظنون أنفسهم على هدى.
وبين في موضع آخر: أن من كان كذلك فهو أخسر الناس عملاً، والعياذ بالله تعالى، وهو قوله جل وعلا: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [١٨/١٠٣، ١٠٤].
تنبيه
هذه النصوص القرآنية تدل على أن الكافر لا ينفعه ظنه أنه على هدى؛ لأن الأدلة التي جاءت بها الرسل لم تترك في الحق لبساً ولا شبهة، ولكن الكافر لشدة تعصبه للكفر لا يكاد يفكر في الأدلة التي هي كالشمس في رابعة النهار لجاجاً في الباطل، وعناداً،


الصفحة التالية
Icon