في هذه الآية الكريمة بأن أكثر الناس لا يؤمنون، وبين ذلك أيضاً في مواضع كثيرة، كقوله: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [١٢/١٠٣]، وقوله ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ﴾ [٦/١١٦]، وقوله: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [٣٧/٧١]، وقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [٢٦/٨، ٦٧، ١٠٣، ١٢١]، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ﴾ الآية، بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن الكفار الذين يصدون الناس عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، يضاعف لهم العذاب يوم القيامة، لأنهم يعذبون على ضلالهم، ويعذبون أيضاً على إضلالهم غيرهم، كما أوضحه تعالى بقوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ [١٦/٨٨].
وبين في موضع آخر، أن العذاب يضاعف للأتباع والمتبوعين، وهو قوله في "الأعراف": ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ الآية [٧/٣٨].
قوله تعالى: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾، في هذه الآية الكريمة للعلماء أوجه، بعضها يشهد له القرآن:
الأول: وهو اختيار ابن جرير الطبري في "تفسيره"، ونقله عن ابن عباس وقتادة أن معنى ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ الآية[١١/٢٠]، أنهم لا يستطيعون أن يسمعوا الحق سماع منتفع، ولا أن يبصروه إبصار مهتد، لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين عن استعمال جوارحهم في طاعة الله تعالى، وقد كانت لهم أسماع وأبصار. ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ﴾ الآية [٤٦/٢٦].
الثاني : وهو أظهرها عندي أن عدم الاستطاعة المذكور في الآية إنما هو للختم الذي ختم الله على قلوبهم وأسماعهم، والغشاوة التي جعل على أبصارهم. ويشهد لهذا القول قوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ [٢/٧]، وقوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾، ونحو ذلك من الآيات.
وذلك الختم والأكنة على القلوب جزاء من الله تعالى لهم على مبادرتهم إلى الكفر