الله الذي نجاهم من الكفرة الظالمين، ويسألوه أن ينزلهم منزلاً مباركاً؛ وذلك في قوله: ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾. [٢٣/٢٨، ٢٩].
وبين في "سورة الزخرف" ما ينبغي أن يقال عند ركوب السفن وغيرها، بقوله: ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [٤٣/١٢-١٤].
ومعنى قوله: ﴿مُقْرِنِينَ﴾ [٤٣/١٣] أي مطيقين، ومنه قول عمرو بن معد يكرب:

لقد علم القبائل ما عقيل لنا في النائبات بمقرنينا
وقول الآخر:
ركبتم صعبتي أشر وجبن ولستم للصعاب بمقرنينا
وقول ابن هرمة:
وأقرنت ما حملتني ولقلما يطاق احتمال الصد يا دعد والهجر
قوله تعالى: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ الآية، ذكر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أن السفينة تجري بنوح ومن معه في ماء عظيم أمواجه كالجبال.
وبين جريانها هذا في ذلك الماء الهائل في مواضع أخر، كقوله: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ [٦٩/١١، ١٢]، وقوله: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [٥٤/١١-١٥].
وبين في موضع آخر أن أمواج البحر الذي أغرق الله فيه فرعون وقومه كالجبال أيضاً بقوله: ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [٢٦/٦٣]، والطود: الجبل العظيم.
قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا﴾ الآية، لم يبين هنا أمره الذي نجى منه هوداً والذين آمنوا معه عند مجيئه، ولكنه بين في مواضع أخر أنه الإهلاك المستأصل بالريح العقيم، التي أهلكهم الله بها فقطع دابرهم؛ كقوله: {وَفِي عَادٍ


الصفحة التالية
Icon