المذكورة. وكقوله: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [٢٧/٦٤]، أي: إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم.
وعلى هذا القول: فمعنى الآية، ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [١٢/٢٤]، أي: لولا أن رآه هم بها. فما قبل ﴿لَوْلا﴾ هو دليل الجواب المحذوف، كما هو الغالب في القرآن واللغة.
ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ [٢٨/١٠]، فما قبل ﴿لَوْلا﴾ دليل الجواب. أي لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به.
واعلم أن جماعة من علماء العربية أجازوا تقديم جواب ﴿لَوْلا﴾ [١٢/٢٤] وتقديم الجواب في سائر الشروط: وعلى هذا القول يكون جواب ﴿لَوْلا﴾ في قوله: ﴿لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [١٢/٢٤]، هو ما قبله من قوله: ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ [١٢/٢٤]، وإلى جواز التقديم المذكور ذهب الكوفيون، ومن أعلام البصريين: أبو العباس المبرد، وأبو زيد الأنصاري.
وقال الشيخ أبو حيان في البحر المحيط ما نصه: والذي اختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه هم بها ألبتة، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان؛ كما تقول: لقد فارقت لولا أن عصمك الله. ولا نقول: إن جواب ﴿لَوْلا﴾ متقدم عليها، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك، بل صريح أدوات الشروط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها. وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون، ومن أعلام البصريين: أبو زيد الأنصاري، وأبو العباس المبرد.
بل نقول: إن جواب ﴿لَوْلا﴾ محذوف لدلالة ما قبله عليه، كما يقول جمهور البصريين في قول العرب: أنت ظالم إن فعلت؛ فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم. ولا يدل قوله أنت ظالم على ثبوت الظلم، بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل، وكذلك هنا التقدير: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فكان وجود الهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان، لكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهم، ولا التفات إلى قول الزجاج. ولو كان الكلام؛ ولهم بها كان بعيداً، فكيف مع سقوط اللام؟ لأنه يوهم أن قوله: ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾، هو جواب ﴿لَوْلا﴾ ونحن لم نقل بذلك، وإنما هو دليل الجواب. وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب فاللام ليست بلازمة، لجواز أن يأتي جواب ﴿لَوْلا﴾ إذا كان بصيغة الماضي