واختلف العلماء في الشاهد في قوله: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [١٢/٢٦]: فقال بعض العلماء: هو صبي في المهد، وممن قال ذلك ابن عباس، والضحاك، وسعيد بن جبير. وعن ابن عباس أيضاً: أنه رجل ذو لحية، ونحوه عن الحسين.
وعن زيد بن أسلم: أنه ابن عم لها كان حكيماً، ونحوه عن قتادة وعكرمة. وعن مجاهد: أنه ليس بإنسي ولا جان، هو خلق من خلق الله.
قال مقيده عفا الله عنه: قول مجاهد هذا يرده قوله تعالى: ﴿مِنْ أَهْلِهَا﴾ [١٢/٢٦]؛ لأنه صريح في أنه إنسي من أهل المرأة. وأظهر الأقوال: أنه صبي، لما رواه أحمد، وابن جرير، والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النَّبي ﷺ قال: "تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم" اهـ.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾، هذه الآية الكريمة إذا ضمت لها آية أخرى حصل بذلك بيان أن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، والآية المذكورة هي قوله: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾ [٤/٧٦]؛ لأن قوله في "النساء" ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [١٢/٢٨]، وقوله في الشيطان ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾ [٤/٧٦]، يدل على أن كيدهن أعظم من كيده.
قال القرطبي: قال مقاتل عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان" ؛ لأن الله تعالى يقول :﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً﴾، وقال: ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ ا هـ.
وقال الأديب الحسن بن أيه الحسني الشنقيطي:
ما استعظم الإله كيدهنه... إلا لأنهن هن هنه
قوله تعالى: ﴿وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾، بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة ثناء هؤلاء النسوة على يوسف بهذه الصفات الحميدة فيما بينهن، ثم بين اعترافهن بذلك عند سؤال الملك لهن أمام الناس في قوله: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ﴾ الآية [١٢/٥١].