أي: لا منار له أصلاً حتى يهتدي به، وقوله:

لا تفزع الأرنب أهوالها ولا ترى الضب بها ينجحر
يعني: لا أرانب فيها ولا ضباب.
وعلى هذا فقوله ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾: أي لا عمد لها حتى تروها، والعمد: جمع عمود على غير قياس، ومنه قول نابغة ذبيان:
وخيس الجن إني قد أذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح والعمد
والصفاح، بالضم والتشديد: الحجر العريض.
قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ﴾ الآية، المراد بالسيئة هنا: العقوبة وإنزال العذاب قبل الحسنة، أي: قبل العافية، وقيل الإيمان، وقد بين تعالى في هذه الآية أن الكفار يطلبون منه ﷺ أن يعجل لهم العذاب الذي يخوفهم به إن تمادوا على الكفر، وقد بين هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [٢٢/٤٧]، وكقوله: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمّىً لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [٢٩/٥٣]، وكقوله: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [٢٩/٥٤]، وقوله: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾ [٧٠/١، ٢]، وقوله: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ الآية [٨/٣٢].
وقوله: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ [٤٢/١٨]، وقوله: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [٣٨/١٦]، إلى غير ذلك من الآيات.
وسبب طلبهم لتعجيل العذاب هو العناد، وزعم أن النَّبي ﷺ كاذب فيما يخوفهم به من بأس الله وعقابه، كما قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ [١١/٨]، وكقوله: ﴿يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [٧/٧٧]، وقوله: ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [١١/٣٢]، كما تقدمت الإشارة إلى هذا.
والمثلاث: العقوبات واحدتها مثلة.


الصفحة التالية
Icon