ينافي أن الدم لو تمادى عليها أكثر من الأربعين لجلست أكثر من الأربعين ويؤيده أن الأوزاعي رحمه الله، قال: عندنا امرأة ترى النفاس شهرين، وذلك مشاهد كثيراً في النساء، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِِ﴾، بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن السر والجهر عنده سواء، وأن الاختفاء والظهور عنده أيضاً سواء؛ لأنه يسمع السر كما يسمع الجهر، ويعلم الخفى كما يعلم الظاهر، وقد أوضح هذا المعنى في آيات أخر، كقوله: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [٦٧/١٣، ١٤]، وقوله: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [٢٠/٧]، وقوله: ﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [١١/٥]، وقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ الآية [٥٠/١٦]، إلى غير ذلك من الآيات.
وأظهر القولين في المستخفي بالليل والسارب بالنهار: أن المستخفي هو المختفي المستتر عن الأعين، والسارب هو الظاهر البارز الذاهب حيث يشاء. ومنه قول الأخنس بن شهاب التغلبي:

وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ونحن خلعنا قيده فهو سارب
أي ذاهب حيث يشاء ظاهر غير خاف. وقول قيس بن الخطيم:
أني سربت وكنت غير سروب وتقرب الأحلام غير قريب
وقيل السارب: الداخل في السرب ليتوارى فيه، والمستخفي الظاهر من خفاه يخفيه: إذا أظهره، ومنه قول امرىء القيس:
خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشى مجلب
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾، بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أنه لا يغير ما بقوم من النعمة والعافية، حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعة الله جل وعلا.
والمعنى: أنه لا يسلب قوماً نعمة أنعمها عليهم، حتى يغيروا ما كانوا عليه من الطاعة والعمل الصالح، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ


الصفحة التالية
Icon