أسكنهم بمكة المكرمة أن يرزقهم الله من الثمرات، وبين في" سورة البقرة" أن إبراهيم خص بهذا الدعاء المؤمنين منهم، وأن الله أخبره أنه رازقهم جميعاً مؤمنهم وكافرهم ثم يوم القيامة يعذب الكافر، وذلك بقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً﴾ الآية [٢/١٢٦]، قال بعض العلماء: سبب تخصيص إبراهيم المؤمنين في هذا الدعاء بالرزق، أنه دعا لذريته أولاً أن يجعلهم الله أئمة ولم يخصص بالمؤمنين، فأخبره الله أن الظالمين من ذريته لا يستحقون ذلك، قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [٢/١٢٤]، فلما أراد أن يدعو لهم بالرزق، خص المؤمنين بسبب ذلك فقال: ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ فأخبره الله أن الرزق ليس كالإمامة، فالله يرزق الكافر من الدنيا ولا يجعله إماماً، ولذا قال له في طلب الإمامة: ﴿لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾، ولما خص المؤمنين بطلب الرزق، قال له: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً﴾ الآية [٢/١٢٦]،
قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ الآية، بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن إبراهيم طلب المغفرة لوالديه، وبين في آيات أُخر أن طلبه الغفران لأبيه إنما كان قبل أن يعلم أنه عدو لله، فلما علم ذلك تبرأ منه كقوله: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [٩/١١٤]، ونحو ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾، بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه يؤخر عقاب الكفار إلى يوم تشخص فيه الأبصار من شدة الخوف، وأوضح ذلك في قوله تعالى: ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية [٢١/٩٧]، ومعنى شخوص الأبصار أنها تبقى منفتحة لا تغمض من الهول وشدة الخوف.
قوله تعالى: ﴿مُهْطِعِينَ﴾، الإهطاع في اللغة: الإسراع، وقد بين تعالى في مواضع أُخر أنهم يوم القيامة يأتون مهطعين، أي: مسرعين، إذا دعوا للحساب، كقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ﴾ الآية [٥٤/٧، ٨]، وقوله: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ [٧٠/٤٣]، وقوله: ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ [٥٠/٤٤]، إلى غير ذلك من الآيات.


الصفحة التالية
Icon