رسول الله ﷺ ثمَّ قال: "رأيت النَّار فلم أرى منظراً كاليوم قطُّ أفظع" اهـ.
وعرض النار عليه ﷺ وهو في صلاته دليل على عدم الكراهة؛ لأنه لم يقطع.
وقد دل بعض الروايات الثابتة في الصحيح على أن النار عرضت عليه من جهة وجهه لا من جهة اليمين ولا الشمال، ففي بعض الروايات الصحيحة أنهم قالوا له بعد أن انصرف: يا رسول الله! رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت ـ أي تأخرت ـ إلى خلف؟ وفي جوابه: أن ذلك بسبب كونه "أرى النار.." إلخ.
فهذا هو حاصل كلام العلماء في الأماكن التي ورد نهي عن الصلاة فيها، التي لها مناسبة بآية الحجر التي نحن بصددها، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾، ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه آتى أصحاب الحجر ـ وهم ثمود ـ آياته فكانوا عنها معرضين. والإعراض: الصدود عن الشيء وعدم الالتفات إليه؛ كأنه مشتق من العرض ـ بالضم ـ وهو الجانب؛ لأن المعرض لا يولي وجهه بل يثنى عطفه ملتفتاً صاداً.
ولم يبين جل وعلا هنا شيئاً من تلك الآيات التي آتاهم، ولا كيفية إعراضهم عنها، ولكنه بين ذلك في مواضع أُخر، فبين أن من أعظم الآيات التي آتاهم: تلك الناقة التي أخرجها الله لهم، بل قال بعض العلماء إن في الناقة المذكورة آيات جمة كخروجها عشراء وبراء جوفاء من صخرة صماء، وسرعة ولادتها عند خروجها، وعظمها حتى لم تشبهها ناقة، وكثرة لبنها حتى يكفيهم جميعاً، وكثرة شربها؛ كما قال تعالى: ﴿لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [٢٦/١٥٥]، وقال: ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ [٥٤/٢٨].
فإذا علمت ذلك، فاعلم أن مما يبين قوله هنا: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا﴾ [١٥/٨١]، قوله: ﴿فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [٢٦/١٥٤-١٥٥]، وقوله: ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ﴾ الآية [٧/٧٣]، وقوله: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾ الآية[١٧/٥٩]، وقوله: ﴿إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ﴾ [٥٤/٢٧]، وقوله: ﴿وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ﴾ [١١/٦٤]، إلى غير ذلك من الآيات.