الثاني: أن الحديث عام في كل أنواع التشبه بالنساء، والآية خاصة في إباحة الحلية المستخرجة من البحر، والخاص مقدم على العام؟ فالجواب: أنا لم نر من تعرض لهذا، والذي يظهر لنا، والله تعالى أعلم: أن الآية الكريمة وإن كانت أقوى سنداً وأخص في محل النزاع، فإن الحديث أقوى دلالة على محل النزاع منها؛ وقوة الدلالة في نص صالح للاحتجاج على محل النزاع أرجح من قوة السند؛ لأن قوله: ﴿وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [١٦/١٤]، يحتمل معناه احتمالاً قوياً: أن وجه الامتنان به أن نساءهم يتجملن لهم به، فيكون تلذذهم وتمتعهم بذلك الجمال والزينة الناشىء عن تلك الحلية من نعم الله عليهم، وإسناد اللباس إليهم لنفعهم به، وتلذذهم بلبس أزواجهم له، بخلاف الحديث فهو نص صريح غير محتمل في لعن من تشبه بالنساء، ولا شك أن المتحلي باللؤلؤ مثلاً متشبه بهن؛ فالحديث يتناوله بلا شك. وقال ابن حجر في فتح الباري في الكلام على الحديث المذكور، واستدل به على أنه يحرم على الرجال لبس الثوب المكلل باللؤلؤ، وهو واضح، لو ورد علامات التحريم وهو لعن فعل ذلك: وأما قول الشافعي: ولا أكره للرجل لبس اللؤلؤ، إلا لأنه من زي النساء فليس مخالفاً لذلك؛ لأن مراده أنه لم يرد في النهي عنه بخصوصه شيء.
المسألة الخامسة: لا يخفى أن الفضة والذهب يمنع الشرب في آنيتهما مطلقاً، ولا يخفى أيضاً أنه يجوز لبس الذهب والحرير للنساء ويمنع للرجال، وهذا مما لا خلاف فيه؛ لكثرة النصوص الصحيحة المصرحة به عن النَّبي ﷺ وإجماع المسلمين على ذلك، ومن شذ فهو محجوج بالنصوص الصريحة وإجماع من يعتد به من المسلمين على ذلك، وسنذكر طرفاً قليلاً من النصوص الكثيرة الواردة في ذلك.
أما الشرب في آنيتهما: فقد أخرج الشيخان والإمام أحمد وأصحاب السنن عن حذيفة رضي الله عنه أن النَّبي ﷺ قال: "ولا تشربوا في آنية الذهب والفضَّة، ولا تأْكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة". ولفظة "ولا تأكلوا في صحافها" في صحيح مسلم، وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" متفق عليه. وفي رواية لمسلم: "إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جنهم"، والأحاديث بمثل هذا كثيرة.
وأما لبس الحرير والديباج الذي هو نوع من الحرير: فعن حذيفة رضي الله عنه،


الصفحة التالية
Icon