إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} [٢/١١١]، فإنه نفى هذا النفي بقوله جل وعلا: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ...﴾ الآية[٢/١١٢]، ومثل هذا كثير في القرآن وفي كلام العرب.
الثاني: أن تكون جواباً لاستفهام مقترن بنفي خاصة؛ كقوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [٧/١٧٢]، وقوله: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى﴾ [٣٦/٨١]، وقوله: ﴿قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى﴾ [٤٠/٥٠]، وهذا أيضاً كثير في القرآن وفي كلام العرب. أما إذا كان الاستفهام غير مقترن بنفي فجوابه بـ "نعم" لا بـ "بلى" وجواب الاستفهام المقترن بنفي و"نعم" مسموع غير قياسي؛ كقوله:

أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك لنا تداني
نعم، وترى الهلال كما أراه وبعلوها النهار كما علاني
فالمحل لـ"بلى" لا لـ"نعم" في هذا البيت.
فإن قيل: هذه الآيات تدل على أن الكفار يكتمون يوم القيامة ما كانوا عليه من الكفر والمعاصي، كقوله عنهم: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [٦/٢٣]، وقوله: ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ [١٦/٢٨]، ونحو ذلك. مع أن الله صرح بأنهم لا يكتمون حديثاً في قوله: ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً﴾ [٤/٤٢].
فالجواب: هو ما قدمنا من أنهم يقولون بألسنتهم: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ ؛ فيختم الله على أفواهم؛ وتتكلم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، فالكتم باعتبار النطق بالجحود وبالألسنة، وعدم الكتم باعتبار شهادة أعضائهم عليهم، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ الآية، لم يبين هنا عدد أبوابها، ولكنه بين ذلك في "سورة الحجر"، في قوله جل وعلا: ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ﴾ [١٥/٤٤]، أرجو الله أن يعيذنا وإخواننا المسلمين منها ومن جميع أبوابها! إنه رحيم كريم.
قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المتقين إذا سئلوا عما أنزل الله على رسوله ﷺ قالوا: أنزل عليه خيراً؛ أي رحمة وهدى وبركة لمن اتبعه وآمن به، ويفهم من صفة أهل هذا الجواب


الصفحة التالية
Icon