قال تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ...﴾ الآية [٣٢/١٧]، وقال: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً﴾ [٧٦/٢٠]، والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً.
قوله تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن المتقين يدخلون يوم القيامة جنات عدن، والعدن في لغة العرب: الإقامة؛ فمعنى جنات عدن: جنات إقامة في النعيم، لا يرحلون عنها، ولا يتحولون.
وبين في آيات كثيرة: أنهم مقيمون في الجنة على الدوام، كما أشار له هنا بلفظة: ﴿عَدْنٍ﴾، كقوله: ﴿لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً﴾ [١٨/١٠٨]، وقوله: ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ..﴾ الآية [٣٥/٣٥]، والمقامة: الإقامة. وقد تقرر في التصريف: أن الفعل إذا زاد على ثلاثة أحرف فالمصدر الميمي منه، واسم الزمان، واسم المكان كلها بصيغة اسم المفعول. وقوله: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ [٤٤/٥١]، على قراءة نافع وابن عامر بضم الميم من الإقامة. وقوله: ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً﴾ [١٨/٢-٣]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله في هذه الآية الكريمة: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [١٦/٣١]، بين أنواع تلك الأنهار في قوله: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ ـ إلى قوله ـ ﴿مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً﴾ [٤٧/١٥]، وقوله هنا: ﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ﴾ [١٦/٣١]، أوضحه في مواضع أُخر؛ كقوله: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ [٥٠/٣٥]، وقوله: ﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [٤٣/٧١]، وقوله: ﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً﴾ [٢٥/١٦]، وقوله: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ [٣٩/٣٤]، وقوله: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [٤١/٣١-٣٢]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله في هذه الآية: ﴿كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ﴾ [١٦/٣١]، يدل على أن تقوى الله هو السبب الذي به تنال الجنة.
وقد أوضح تعالى هذا المعنى في مواضع أُخر؛ كقوله: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً﴾ [١٩/٦٣]، وقوله: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [٣/١٣٣]، وقوله: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾


الصفحة التالية
Icon