مؤكد أيضاً لما دلت ﴿بَلَى﴾، واللام في قوله: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ [١٦/٣٩]، وفي قوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا...﴾ الآية [١٦/٣٩]، تتعلق بقوله: ﴿بَلَى﴾، أي: يبعثهم ليبين لهم.. إلخ. والضمير في قوله: ﴿لَهُمُ﴾ عائد إلى من يموت؛ لأنه شامل للمؤمنين والكافرين.
وقال بعض العلماء: اللام في الموضعين تتعلق بقوله: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً...﴾ الآية [١٦/٣٦]، أي: بعثناه ليبين لهم.. إلخ، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لا يتعاصى على قدرته شيء، وإذ يقول للشيء: ﴿كُنْ﴾، فيكون بلا تأخير. وذلك أن الكفار لما ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ [١٦/٣٨]، ورد الله عليهم كذبهم بقوله: ﴿بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً﴾ بين أنه قادر على كل شيء، وأنه كلما قال لشيء ﴿كُنْ﴾ كان.
وأوضح هذا المعنى في مواضع أُخر؛ كقوله في الرد على من قال: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [٣٦/٧٨]: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [٣٦/٨٢].
وبين أنه لا يحتاج أن يكرر قوله: ﴿كُنْ﴾، بل إذا قال للشيء "كن" مرة واحدة، كان في أسرع من لمح البصر، في قوله: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [٥٤/٥٠]، ونظيره قوله: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [١٦/٧٧]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ..﴾ الآية [٣/٥٩]، وقال: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [٣١/٢٨]، إلى غير ذلك من الآيات.
وعبر تعالى عن المراد قبل وقوعه باسم الشيء؛ لأن تحقق وقوعه كالوقوع بالفعل؛ فلا تنافي الآية إطلاق الشيء على خصوص الموجود دون المعدوم؛ لأنه لما سبق في علم الله أنه يوجد ذلك الشيء، وأنه يقول له كن فيكون ـ كان تحقق وقوعه بمنزلة وقوعه، أو لأنه أطلق عليه اسم الشيء باعتبار وجوده المتوقع، كتسمية العصير خمراً في قوله: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً﴾ [١٢/٣٦] ـ نظراً إلى ما يؤول إليه في ثاني حال. وقرأ هذا الحرف ابن عامر والكسائي ﴿فَيَكُونُ﴾ [١٦/٤٠]، بفتح النون منصوباً بالعطف على قوله: أن نقول:


الصفحة التالية
Icon