وله الدين واصباً وله الملـ ك وحمد له على كل حال
ومنه قول الدؤلي:
لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه يوماً بذم الدهر أجمع واصباً
وممن قال بأن معنى الواصب في هذه الآية الدائم: ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وميمون بن مهران، والسدي، وقتادة، والحسن، والضحاك، وغيرهم. وروي عن ابن عباس أيضاً ﴿وَاصِباً﴾، أي: واجباً. وعن مجاهد أيضاً: ﴿وَاصِباً﴾، أي: خالصاً. وعلى قول مجاهد هذا، فالخبر بمعنى الإنشاء؛ أي: ارهبوا أن تشركوا بي شيئاً، وأخلصوا لي الطاعة ـ وعليه فالآية كقوله: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ [٣/٨٣]، وقوله: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [٣٩/٣]، وقوله: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [٩٨/٥]، وقوله: ﴿وَاصِباً﴾ [١٦/٥٢]، حال عمل فيه الظرف.
وقوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ﴾، أنكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة على من يتقي غيره؛ لأنه لا ينبغي أن يتقي إلا من بيده النفع كله والضر كله؛ لأن غيره لا يستطيع أن ينفعك بشيء لم يرده الله لك، ولا يستطيع أن يضرك بشيء لم يكتبه الله عليك.
وقد أشار تعالى هنا إلى أن إنكار اتقاء غير الله؛ لأجل أن الله هو الذي يرجى منه النفع، ويخشى منه الضر، ولذلك أتبع قوله: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ﴾ [١٦/٥٢]، بقوله: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [١٦/٥٣]، ومعنى: ﴿تَجْأَرُونَ﴾: ترفعون أصواتكم بالدعاء والاستغاثة عند نزول الشدائد؛ ومنه قول الأعشى أو النابغة يصف بقرة:
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة وكان النكير أن تضيف وتجأرا
وقول الأعشى:
يراوح من صلوات المليك طوراً سجوداً وطوراً جؤارا
ومنه قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ﴾ [٢٣/٦٤-٦٥]، وقد أشار إلى هذا المعنى في مواضع أُخر؛ كقوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ


الصفحة التالية
Icon