الكريمة: أن في الأنعام عبرة دالة على تفرد من خلقها، وأخلص لبنها من بين فرث ودم؛ بأنه هو وحده المستحق لأن يعبد، ويطاع ولا يعصى. وأوضح هذا المعنى أيضاً في غير هذا الموضع؛ كقوله: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [٢٣/٢١]، وقوله: ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ [١٦/٥]، وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [٣٦/٧١-٧٣]، وقوله: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [٨٨/١٧]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد دلت الآيات المذكورة على أن الأنعام يصح تذكيرها وتأنيثها؛ لأنه ذكرها هنا في قوله: ﴿نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ [١٦/٦٦]، وأنثها "في سورة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ" في قوله: ﴿نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ﴾ [٢٣/٢١]، ومعلوم في العربية: أن أسماء الأجناس يجوز فيها التذكير نظراً إلى اللفظ، والتأنيث نظراً إلى معنى الجماعة الداخلة تحت اسم الجنس. وقد جاء في القرآن تذكير الأنعام وتأنيثها كما ذكرناه آنفاً. وجاء فيه تذكير النخل وتأنيثها؛ فالتذكير في قوله: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ [٥٤/٢٠]، والتأنيث في قوله: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [٦٩/٧]، ونحو ذلك. وجاء في القرآن تذكير السماء وتأنيثها؛ فالتذكير في قوله: ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [٧٣/١٨]، والتأنيث في قوله: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ...﴾ الآية[٥١/٤٧]، ونحو ذلك من الآيات. وهذا معروف في العربية، ومن شواهده قول قيس بن الحصين الحارثي الأسدي وهو صغير في تذكير النعم:
في كل عام نعم تحوونه... يلقحه قوم وتنتجونه
وقرأ هذا الحرف نافع وابن عامر وشعبة عن عاصم ﴿نُسْقِيكُمْ﴾، بفتح النون. والباقون بضمها، كما تقدم بشواهده "في سورة الحجر".
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة
المسألة الأولى: استنبط القاضي إسماعيل من تذكير الضمير في قوله: {مِمَّا فِي


الصفحة التالية
Icon