وأما حجة من قال بأن المني نجس فهو بالنص والقياس أيضاً، أما النص فهو ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يخرج إلى الصَّلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء، متفق عليه. قالوا: غسلها له دليل على أنه نجس. وفي رواية عند مسلم عن عائشة بلفظ: أن رسول الله ﷺ كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصَّلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه.
قال مقيده عفا الله عنه: وهذه الرواية الثابتة في صحيح مسلم تقوي حجة من يقول بالنجاسة؛ لأن المقرر في الأصول: أن الفعل المضارع بعد لفظة كان يدل على المداومة على ذلك الفعل، فقول عائشة في رواية مسلم هذه: إن رسول الله ﷺ كان يغسل، تدل على كثرة وقوع ذلك منه، ومداومته عليه، وذلك يشعر بتحتم الغسل. وفي رواية عن عائشة في صحيح مسلم أيضاً: أن رجلاً نزل بها فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة: إنما كان يجزئك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله ﷺ فركاً فيصلِّي فيه. اهـ.
قالوا: هذه الرواية الثابتة في الصحيح عن عائشة، صرحت فيها: بأنه إنما يجزئه غسل مكانه. وقد تقرر في الأصول في مبحث دليل الخطاب وفي المعاني في مبحث القصر: أن إنما من أدوات الحصر؛ فعائشة صرحت بحصر الإجزاء في الغسل؛ فدل ذلك على أن الفرك لا يجزىء دون الغسل، إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على غسله.
وأما القياس: فقياسهم المني على البول والحيض، قالوا: ولأنه يخرج من مخرج البول، ولأن المذي جزء من المني؛ لأن الشهوة تحلل كل واحد منهما فاشتركا في النجاسة.
وأما حجة من قال: إنه نجس، وإن يابسه يطهر بالفرك ولا يحتاج إلى الغسل فهي ظواهر نصوص تدل على ذلك، ومن أوضحها في ذلك حديث عائشة عند الدارقطني الذي قدمناه آنفاً: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله ﷺ إذا كان يابساً، وأغسله إذا كان رطباً.
وقال المجد في منتقى الأخبار، بعد أن ساق هذه الرواية، ما نصه: قلت: فقد بان من مجموع النصوص جواز الأمرين.
قال مقيده عفا الله عنه: إيضاح الاستدلال بهذا الحديث لهذا القول: أن الحرص


الصفحة التالية
Icon