العلماء وحججهم.
قال مقيده عفا الله عنه: أظهر الأقوال دليلاً في هذه المسألة عندي- والله أعلم ـ أن المني طاهر؛ لما قدمنا من حديث إسحاق الأزرق، عن شريك، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عطاء، عن ابن عباس: أن النَّبي ﷺ قال: "إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة". وهذا نص في محل النزاع.
وقد قدمنا عن صاحب المنتقى أن الدارقطني قال: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك، وأنه هو قال: وهذا لا يضر لأن إسحاق إمام مخرج عنه في الصحيحين، فيقبل رفعه وزيادته. انتهى.
وقد قدمنا مراراً: أن هذا هو الحق؛ فلو جاء الحديث موقوفاً من طريق، وجاء مرفوعاً من طريق أخرى صحيحة حكم برفعه؛ لأن الرفع زيادة، وزيادات العدول مقبولة، قال في مراقي السعود:

والرفع والوصل وزيد اللفظ مقبولة عند إمام الحفظ ـ الخ
وبه تعلم صحة الاحتجاج برواية إسحاق المذكور المرفوعة، ولا سيما أن لها شاهداً من طريق أخرى.
قال ابن حجر في" التلخيص" ما نصه: فائدة ـ
روى الدارقطني، والبيهقي من طريق إسحاق الأزرق، عن شريك، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: سئل النَّبي ﷺ عن المني يصيب الثوب؟ قال: "إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق"، وقال: "إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو إذخرة"، ورواه الطحاوي من حديث حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعاً، ورواه هو والبيهقي من طريق عطاء عن ابن عباس موقوفاً، قال البيهقي: الموقوف هو الصحيح. انتهى.
فقد رأيت الطريق الأخرى المرفوعة من حديث حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد عن ابن عباس، وهي مقوية لطريق إسحاق الأزرق المتقدمة.
واعلم أن قول البيهقي رحمه الله: والموقوف هو الصحيح، ولا يسقط به الاحتجاج بالرواية المرفوعة؛ لأنه يرى أن وقف الحديث من تلك الطريق علة في الطريق المرفوعة. وهذا قول معروف لبعض العلماء من أهل الحديث والأصول، ولكن الحق: أن الرفع


الصفحة التالية
Icon