ونظير هذا من كلام العرب قول الراجز:

مالك عندي غير سوط وحجر وغير كبداء شديدة الوتر
جادت بكفي كان من أرمى البشر
أي: بكفي رجل كان "الخ"، ذكره الزمخشري وأبو حيان.
قال مقيده عفا الله عنه: أظهر هذه الأقوال عندي: أن قوله: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ﴾، يتعلق بـ ﴿تَتَّخِذُونَ﴾، أي: تتخذون من ثمرات النخيل، وأن ﴿مِنْ﴾ الثانية توكيد للأولى. والضمير في قوله: ﴿مِنْهُ﴾، عائد إلى جنس الثمر المفهوم من ذكر الثمرات، والعلم عند الله تعالى.
تنبيه
اعلم أن التحقيق على مذهب الجمهور: أن هذه الآية الكريمة التي هي قوله جل وعلا: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ﴾ [١٦/٦٧]، منسوخة بآية "المائدة" المذكورة. فما جزم به صاحب مراقي السعود فيه وفي شرحه نشر البنود من أن تحريم الخمر ليس نسخاً لإباحتها الأولى بناء على أن إباحتها الأولى إباحة عقلية، والإباحة العقلية هي البراءة الأصلية، وهي بعينها استصحاب العدم الأصلي، وهي ليست من الأحكام الشرعية؛ فرفعها ليس بنسخ، وقد بين في المراقي أنها ليست من الأحكام الشرعية بقوله:
وما من البراءة الأصلية قد أخذت فليست الشرعية
وقال أيضاً في إباحة الخمر قبل التحريم:
أباحها في أول الإسلام براءة ليست من الأحكام
كل ذلك ليس بظاهر، بل غير صحيح؛ لأن إباحة الخمر قبل التحريم دلت عليها هذه الآية الكريمة، التي هي قوله: ﴿وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً...﴾ الآية [١٦/٦٧]، وما دلت على إباحته آية من كتاب الله لا يصح أن يقال: إن إباحته عقلية، بل هي إباحة شرعية منصوصة في كتاب الله، فرفعها نسخ. نعم! على القول بأن معنى السكر في الآية: الخل أو الطعم أو العصير؛ فتحريم الخمر ليس نسخاً لإباحتها، وإباحتها الأولى عقلية. وقد بينا هذا المبحث في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات


الصفحة التالية
Icon