شيء ولا عن التابعين؛ إلا عن إبراهيم النخعي. انتهى محل الغرض من "فتح الباري"، بحذف ما لا حاجة إليه.
قال مقيده عفا الله عنه: تحريم قليل النَّبيذ الذي يسكر كثيره لا شك فيه؛ لما رأيت من تصريح النَّبي ﷺ بأن "ما أسكر كثيره فقليله حرام".
واعلم: أن قياس النَّبيذ المسكر كثيره على الخمر بجامع الإسكار لا يصح؛ لأن النَّبي ﷺ صرح بأن "كل مسكر حرام"، والقياس يشترط فيه ألا يكون حكم الفرع منصوصاً عليه كحكم الأصل؛ كما أشار له في مراقي السعود، بقوله:
وحيثما يندرج الحكمان | في النص فالأمران قل سيان |
قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ الآية، المراد بالإيحاء هنا: الإلهام. والعرب تطلق الإيحاء على الإعلام بالشيء في خفية؛ ولذا تطلقه على الإشارة، وعلى الكتابة، وعلى الإلهام. ولذلك قال تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [١٦/٦٨]، أي: ألهمها، وقال: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً﴾ الآية[١٩/١١]، أي: أشار إليهم، وسمى أمره للأرض إيحاء في قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [٩٩/٤، ٥]، ومن إطلاق الوحي على الكتابة قول لبيد في معلقته:
فمدافع الريان عرى رسمها | خلقاً كما ضمن الوحي سلامها |
قوله تعالى: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾، بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من الناس من يموت قبل بلوغ أرذل العمر، ومنهم من يعمر حتى يرد إلى أرذل العمر، وأرذل العمر آخره الذي تفسد فيه الحواس، ويختل فيه النطق والفكر، وخص بالرذيلة؛ لأنه حال لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد، بخلاف حال الطفولة، فإنها حالة ينتقل منها إلى القوة وإدراك الأشياء. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر؛ كقوله في سورة الحج: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾ [٢٢/٥]، وقوله في الروم: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ