الأموال والنساء وجميع نعم الله. ومع هذا يجعلون الأصنام شركاء لله في حقه على خلقه، الذي هو إخلاص العبادة له وحده، أي إذا كنتم لا ترضون بإشراك عبيدكم معكم في أموالكم ونسائكم، فكيف تشركون عبيدي معي في سلطاني!.
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ الآية [٣٠/٢٨]، ويؤيده أن ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [١٦/١٧]، نافية، أي: ليسوا برادي رزقهم عليهم حتى يسووهم مع أنفسهم اهـ.
فإذا كانوا يكرهون هذا لأنفسهم، فكيف يشركون الأوثان مع الله في عبادته! مع اعترافهم بأنها ملكه، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك.
وهذه الآية الكريمة نص صريح في إبطال مذهب الاشتراكية القائل: بأنه لا يكون أحد أفضل من أحد من الرزق، ولله في تفضيل بعضهم على بعض في الرزق حكمة؛ قال تعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً﴾ الآية [٤٣/٣٢]، وقال: ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [١٣/٢٦]، وقال: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ﴾ [٢/٢٣٦]، إلى غير ذلك من الآيات.
وفي معنى هذه الآية الكريمة، قولان آخران:
أحدهما: أن معناها أنه جعلكم متفاوتين في الرزق؛ فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم، وهم بشر مثلكم وإخوانكم؛ فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم، حتى تساووا في الملبس والمطعم؛ كما ثبت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر مالكي العبيد أن يطعموهم مما يطعمون، ويكسوهم مما يلبسون، وعلى هذا القول فقوله تعالى: ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [١٦/٧١]، لوم لهم، وتقريع على ذلك.
القول الثاني: أن معنى الآية أنه جلَّ وعلا هو رازق المالكين والمملوكين جميعاً؛ فهم في رزقه سواء، فلا يحسبن المالكون أنهم يردون على مماليكهم شيئاً من الرزق، فإنما ذلك رزق الله يجريه لهم على أيديهم. والقول الأول هو الأظهر وعليه جمهور العلماء،


الصفحة التالية
Icon