قال بعض أهل العلم: ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾، أي: لا تطلب منهم العتبى، بمعنى لا يكلفون أن يرضوا ربهم؛ لأن الآخرة ليست بدار تكليف، فلا يردون إلى الدنيا ليتوبوا.
وقال بعض العلماء: ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾، أي: يعتبون، بمعنى يزال عنهم العتب، ويعطون العتبى وهي الرضا؛ لأن الله لا يرضى عن القوم الكافرين. وهذا المعنى كقوله تعالى في قراءة الجمهور: ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ﴾ [٤١/٢٤]، أي: وإن يطلبوا العتبى ـ وهي الرضا عنهم لشدة جزعهم ـ فما هم من المعتبين؛ بصيغة اسم المفعول، أي: المعطين العتبى وهي الرضا عنهم؛ لأن العرب تقول: أعتبه إذا رجع إلى ما يرضيه ويسره، ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:

أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
أي: لا يرجع الدهر إلى مسرة من جزع ورضاه، وقول النابغة:
فإن كنت مظلوماً فعبد ظلمته وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتب
وأما قول بشر بن أبي خازم:
غضبت تميم أن تقتل عامر يوم النسار فأعتبوا بالصيلم
يعني: أعتبناهم بالسيف، أي: أرضيناهم بالقتل؛ فهو من قبيل التهكم، كقول عمرو بن معدي كرب:
وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
لأن القتل ليس بإرضاء، والضرب الوجيع ليس بتحية.
وأما على قراءة من قرأ ﴿وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا﴾ [٤١/٢٤]، بالبناء للمفعول ﴿فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَْ﴾ [٤١/٢٤]، بصيغة اسم الفاعل، فالمعنى: أنهم لو طلبت منهم العتبى وردوا إلى الدنيا ليعملوا بطاعة الله وطاعة رسله، ﴿فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَْ﴾، أي: الراجعين إلى ما يرضي ربهم، بل يرجعون إلى كفرهم الذي كانوا عليه أولاً. وهذه القراءة كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [٦/٢٨].
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار إذا رأوا العذاب لا يخفف عنهم، ولا ينظرون، أي: لا يمهلون، وأوضح هذا المعنى في مواضع أُخر، وبين أنهم يرون النار، وأنها


الصفحة التالية
Icon