[٤٣/٥٧]، بالكسر والضم.
فإذا عرفت ذلك: فاعلم أن قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [١٦/٨٨]، محتمل لأن تكون "صد" متعدية، والمفعول محذوف لدلالة المقام عليه؛ على حد قوله في الخلاصة:

وحذف فضلة أجز إن لم يضر كحذف ما سيق جواباً أو حصر
ومحتمل لأن تكون "صد" لازمة غير متعدية إلى المفعول. ولكن في الآية الكريمة ثلاث قرائن تدل على أن "صد" متعدية، والمفعول محذوف؛ أي: وصدوا الناس عن سبيل الله.
الأولى: أنا لو قدرنا "صد" لازمة، وأن معناها: صدودهم في أنفسهم عن الإسلام؛ لكان ذلك تكراراً من غير فائدة مع قوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [١٦/٨٨]، بل معنى الآية: كفروا في أنفسهم، وصدوا غيرهم عن الدين فحملوه على الكفر أيضاً.
القرينة الثانية: قوله تعالى: ﴿زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ﴾ [١٦/٨٨]، فإن هذه الزيادة من العذاب لأجل إضلالهم غيرهم، والعذاب المزيدة فوقه: هو عذابهم على كفرهم في أنفسهم؛ بدليل قوله في المضلين الذين أضلوا غيرهم: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ....﴾ الآية [١٦/٢٥]، وقوله: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ...﴾ الآية [٢٩/١٣]، كما تقدم إيضاحه.
القرينة الثالثة: قوله: ﴿بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ [١٦/٨٨]، فإنه يدل على أنهم كانوا يفسدون على غيرهم مع ضلالهم في أنفسهم، وقوله: ﴿فَوْقَ الْعَذَابِ﴾ [١٦/٨٨]، أي: الذي استحقوه بضلالهم وكفرهم، وعن ابن مسعود: أن هذا العذاب المزيد: عقارب أنيابها كالنخل الطوال، وحيات مثل أعناق الإبل، وأفاعي كأنها البخاتي تضربهم، أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها! والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يوم القيامة يبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم يشهد عليهم بما أجابوا به رسولهم، وأنه يأتي بنبينا ﷺ شاهداً علينا، وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع؛ كقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ


الصفحة التالية
Icon