بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا...} الآية [٧/١٤٥]، فالجزاء المنصوص عليه في قوله: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [١٦/١٢٦]، حسن، والصبر المذكور في قوله: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ [١٦/١٢٦]، أحسن؛ وهكذا وقرأ هذا الحرف ابن كثير وعاصم وابن ذكوان بخلف عنه: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ﴾ [١٦/٩٦]، بنون العظمة، وقرأه الباقون بالياء، وهو الطريق الثاني لابن ذكوان.
قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن كل عامل سواء كان ذكراً أو أنثى عمل عملاً صالحاً فإنه جل وعلا يقسم ليحيينه حياة طيبة، وليجزينه أجره بأحسن ما كان يعمل.
اعلم أولاً: أن القرآن العظيم دل على أن العمل الصالح هو ما استكمل ثلاثة أمور:
الأول: موافقته لما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [٥٩/٧].
الثاني: أن يكون خالصاً لله تعالى؛ لأن الله جل وعلا يقول: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [٩٨/٥]، ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾ [٣٩/١٤، ١٥].
الثالث: أن يكون مبنياً على أساس العقيدة الصحيحة؛ لأن الله يقول: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [١٦/٩٧]، فقيَّد ذلك بالإيمان، ومفهوم مخالفته أنه لو كان غير مؤمن لما قبل منه ذلك العمل الصالح.
وقد أوضح جل وعلا هذا المفهوم في آيات كثيرة، كقوله في عمل غير المؤمن: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ [٢٥/٢٣]، وقوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [١١/١٦]، وقوله: ﴿أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍٍ...﴾ الآية [٢٤/٣٩]، وقوله: ﴿أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [١٤/١٨]، إلى غير ذلك من الآيات.
واختلف العلماء في المراد بالحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة.
فقال قوم: لا تطيب الحياة إلا في الجنة، فهذه الحياة الطيبة في الجنة؛ لأن الحياة


الصفحة التالية
Icon