تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [٨٧/٦، ٧]، أي: أن تنساه.
والدليل على أنه إن نسخ آية أو أنساها، لا بد أن يأتي ببدل خير منها أو مثلها ـ قوله تعالى: ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [٢/١٠٦]، وقوله هنا: ﴿بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ﴾ [١٦/١٠١].
وما زعمه المشركون واليهود: من أن النسخ مستحيل على الله لأنه يلزمه البداء، وهو الرأي المتجدد ـ ظاهر السقوط، واضح البطلان لكل عاقل؛ لأن النسخ لا يلزمه البداء البتة، بل الله جل وعلا يشرِّع الحكم وهو عالم بأن مصلحته ستنقضي في الوقت المعين، وأنه عند ذلك الوقت ينسخ ذلك الحكم ويبدله بالحكم الجديد الذي فيه المصلحة؛ فإذا جاء ذلك الوقت المعين أنجز جل وعلا ما كان في علمه السابق من نسخ ذلك الحكم، الذي زالت مصلحته بذلك الحكم الجديد الذي فيه المصلحة. كما أن حدوث المرض بعد الصحة وعكسه، وحدوث الغنى بعد الفقر وعكسه، ونحو ذلك لا يلزم فيه البداء؛ لأن الله عالم بأن حكمته الإلهية تقتضي ذلك التغيير في وقته المعين له، على وفق ما سبق في العلم الأزلي، كما هو واضح.
وقد أشار جل وعلا إلى علمه بزوال المصلحة من المنسوخ، وتمحضها في الناسخ بقوله هنا: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ﴾ [١٦/١٠١، وقوله: ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [٢/١٠٦]، وقوله: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾ [٨٧/٦، ٧]، فقوله: ﴿نَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾ [٨٧/٧]، بعد قوله: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [٨٧/٧]، يدل على أنه أعلم بما ينزل؛ فهو عالم بمصلحة الإنسان، ومصلحة تبديل الجديد من الأول المنسي.
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة:
المسألة الأولى: لا خلاف بين المسلمين في جواز النسخ عقلاً وشرعاً، ولا في وقوعه فعلاً، ومن ذكر عنه خلاف في ذلك كأبي مسلم الأصفهاني ـ فإنه إنما يعني أن النسخ تخصيص لزمن الحكم بالخطاب الجديد؛ لأن ظاهر الخطاب الأول استمرار الحكم في جميع الزمن. والخطاب الثاني دلَّ على تخصيص الحكم الأول بالزمن الذي قبل النسخ؛ فليس النسخ عنده رفعاً للحكم الأول، وقد أشار إليه في مراقي السعود بقوله في تعريف النسخ:


الصفحة التالية
Icon