يميلون عن الحق إلى الباطل. وأما ﴿يُلْحِدُونَ﴾ التي في "الأعراف"، والتي في" فصلت" فلم يقرأهما بفتح الياء والحاء إلا حمزة وحده دون الكسائي. وإنما وافقه الكسائي في هذه التي في "النحل"، وأطلق اللسان على القرآن لأن العرب تطلق اللسان وتريد به الكلام؛ فتؤنثها وتذكرها؛ ومنه قول أعشى باهلة:

إني أتتني لسان لا أسر بها من علو لا عجب فيها ولا سخر
وقول الآخر:
لسان الشر تهديها إلينا وخنت وما حسبتك أن تخونا
وقول الآخر:
أتتني لسان بني عامر أحاديثها بعد قول نكر
ومنه قوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ [٢٦/٨٤] أي ثناءً، حسناً باقياً، ومن إطلاق اللسان بمعنى الكلام مذكراً قول الحطيئة:
ندمت على لسان فات مني فليت بأنه في جوف عكم
قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾، قال بعض أهل العلم: إن هذا مثلٌ ضربه الله لأهل مكة، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، وإليه ذهب مجاهد وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وحكاه مالك عن الزهري رحمهم الله، نقله عنهم ابن كثير وغيره.
وهذه الصفات المذكورة التي اتصفت بها هذه القرية تتفق مع صفات أهل مكة المذكورة في القرآن، فقوله عن هذه القرية ﴿كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً﴾ [١٦/١١٢]، قال نظيره عن أهل مكة؛ كقوله: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً...﴾ الآية [٢٨/٥٧]، وقوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ...﴾ الآية [٢٩/٦٧]، وقوله: ﴿وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [١٠٦/٤]، وقوله: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ [٣/٩٧]، وقوله: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً...﴾ الآية [٢/١٢٥]، وقوله: ﴿يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ [١٦/١١٢]، قال نظيره عن أهل مكة أيضاً؛ كقوله: ﴿يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [٢٨/٥٧]، وقوله: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ


الصفحة التالية
Icon