كافراً فهداه الله: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ الآية[٦/١٢٢]، فجعل النور المذكور في "الحديد": هو معنى الفرقان المذكور في الأنفال كما ترى، وتكفير السيئات والغفران المرتب على تقوى الله في آية الأنفال، كذلك جاء مرتباً أيضاً عليها في آية "الحديد"، وهو بيان واضح كما ترى.
قوله تعالى: ﴿قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا﴾ الآية، قد بينا قبل هذا الآيات المصرحة بكذبهم، وتعجيز الله لهم عن الإتيان بمثله، فلا حاجة إلى إعادتها هنا، وقوله هنا في هذه الآية عنهم: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [٨/٣١]، رد الله عليهم كذبهم وافتراءهم هذا في آيات كثيرة كقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً﴾ [٢٥/٥، ٦]، وما أنزله عالم السر في السموات والأرض فهو بعيد جداً من أن يكون أساطير الأولين، وكقوله: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [١٦/١٠٣]، إلى غير ذلك من الآيات:
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، ذكر هنا في هذه الآية الكريمة ما يدل على أن كفار مكة في غاية الجهل حيث قالوا: ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا﴾ الآية [٨/٣٢]، ولم يقولوا فاهدنا إليه، وجاء في آيات أخر ما يدل على ذلك أيضاً كقوله عنهم: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [٣٨/١٦]، وقوله: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ الآية [٢٢/٤٧] و [٢٩/٥٣]، وقوله: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ﴾ [١١/٨]، وذكر عن بعض الأمم السالفة شبه ذلك كقوله في قوم شعيب: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [٢٦/١٨٧]، وقوله عن قوم صالح: ﴿يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [٧/٧٧]، وسيأتي لهذا إن شاء الله زيادة إيضاح في سورة ﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾ [٧٠/١].
قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ﴾، صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بنفي ولاية الكفار على المسجد الحرام، وأثبتها لخصوص المتقين، وأوضح هذا المعنى في قوله: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ


الصفحة التالية
Icon