المسلمين، ولا منازعة فيه البتة، فظهر من هذا عدم صحة قول قتادة رحمه الله تعالى، وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآيات، وكذلك على قول من يرى أمر الغنائم والفيء راجعاً إلى نظر الإمام، فلا منافاة على قوله بين آية "الحشر"، وآية التخميس إذا رآه الإمام، والله أعلم.
مسائل من أحكام هذه الآية الكريمة
المسألة الأولى: اعلم أن جماهير علماء المسلمين على أن أربعة أخماس الغنيمة للغزاة الذين غنموها، وليس للإمام أن يجعل تلك الغنيمة لغيرهم، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿غَنِمْتُمْ﴾، فهو يدل على أنها غنيمة لهم فلما قال: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾، علمنا أن الأخماس الأربعة الباقية لهم لا لغيرهم، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ﴾ [٤/١١]، أي: ولأبيه الثلثان الباقيان إجماعاً، فكذلك قوله: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾، أي: وللغانمين ما بقي، وهذا القول هو الحق الذي لا شك فيه، وحكى الإجماع عليه غير واحد من العلماء وممن حكى إجماع المسلمين عليه ابن المنذر وابن عبد البر، والداودي والمازري، والقاضي عياض وابن العربي، والأخبار بهذا المعنى متظاهرة، وخالف في ذلك بعض أهل العلم، وهو قول كثير من المالكية، ونقله عنهم المازري ـ رحمه الله ـ أيضاً قالوا: للإمام أن يصرف الغنيمة فيما يشاء من مصالح المسلمين، ويمنع منها الغزاة الغانمين.
واحتجوا لذلك بأدلة منها قوله تعالى: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ الآية [٨/١]، قالوا: ﴿الْأَنْفَال﴾ الغنائم كلها، والآية محكمة لا منسوخة، واحتجوا لذلك أيضاً بما وقع في فتح مكة، وقصة حنين قالوا: إنه ﷺ فتح مكة عنوة بعشرة آلاف مقاتل، ومنَّ على أهلها فردها عليهم، ولم يجعلها غنيمة ولم يقسمها على الجيش، فلو كان قسم الأخماس الأربعة على الجيش واجباً لفعله ﷺ لما فتح مكة، قالوا: وكذلك غنائم هوازن في غزوة حنين، أعطى منها عطايا عظيمة جداً، ولم يعط الأنصار منها مع أنهم من خيار المجاهدين الغازين معه صلى الله عليه وسلم، وقد أشار لعطاياه من غنائم هوازن في وقعة حنين الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه للمغازي في غزوة حنين بقوله: "الرجز"


الصفحة التالية
Icon