ثابت في الصحيح، وهذا الخلاف في مكة هل أخذها النَّبي ﷺ عنوة؟ وهو قول الجمهور، أو أخذ لها الأمان؛ والأمان شبه الصلح، عقده الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في مغازيه بقوله في غزوة الفتح يعني مكة: "الرجز"

واختلفوا فيها فقيل أمنت وقيل عنوة وكرهاً أخذت
والحق أنها فتحت عنوة كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله، ومن أظهر الأجوبة عما وقع في فتح مكة، أن مكة ليست كغيرها من البلاد؛لأنها حرام بحرمة الله من يوم خلق السماوات والأرض إلى يوم القيامة، وإنما أحلت له ﷺ ساعة من نهار، ولم تحل لأحد قبله ولا بعده، وما كان بهذه المثابة، فليس كغيره من البلاد التي ليست لها هذه الحرمة العظيمة.
وأما ما وقع في قصة حنين فالجواب عنه ظاهر، وهو أن النَّبي ﷺ استطاب نفوس الغزاة عن الغنيمة ليؤلف بها قلوب المؤلفة قلوبهم لأجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين، ويدل على ذلك أنه ﷺ لما سمع أن بعض الأنصار قال: يمنعنا ويعطي قريشاً، وسيوفنا تقطر من دمائهم، جمعهم النَّبي صلى الله عليه وسلم، وكلمهم كلامه المشهور البالغ في الحسن، ومن جملته أنه قال لهم: "ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله ﷺ إلى رحالكم"، إلى آخر كلامه، فرضي القوم، وطابت نفوسهم، وقالوا: رضينا برسول الله ﷺ قسما وحظاً، وهذا ثابت في الصحيح، ونوه الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في مغازيه بحسن هذا الكلام الذي خاطبهم به صلى الله عليه وسلم، بقوله في غزوة حنين: "الرجز"
ووكل الأنصار خير العالمين لدينهم إذ ألف المؤلفين
فوجدوا عليه أن منعهم فأرسل النَّبي من جمعهم
وقال قولاً كالفريد المؤنق عن نظمه ضعف سلك منطقي
فالحاصل أن أربعة أخماس الغنيمة التي أوجف الجيش عليها الخيل، والركاب للغزاة الغانمين على التحقيق، الذي لا شك فيه، وهو قول الجمهور.
وقد علمت الجواب عن حجج المخالفين في ذلك؛ ومن العلماء من يقول: لا يجوز للإمام أن ينفل أحداً شيئاً من هذه الأخماس الأربعة؛ لأنها ملك للغانمين، وهو قول مالك.


الصفحة التالية
Icon