وقال في الثاني: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [٢٨/٦٥].
وبين في موضع آخر أنه يسأل جميع الخلق عما كانوا يعلمون، وهو قوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [١٥/٩٢، ٩٣].
وهنا إشكال معروف: وهو أنه تعالى قال هنا: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [٧/٦]، وقال أيضاً: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وقال: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ﴾ [٣٧/٢٤]، وهذا صريح في إثبات سؤال الجميع يوم القيامة، مع أنه قال: ﴿وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [٢٨/٧٨]، وقال: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ﴾ [٥٥/٣٩].
وقد بينا وجه الجمع بين الآيات المذكورة في كتابنا "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"، وسنزيده إيضاحاً هنا إن شاء الله تعالى.
اعلم أولاً: أن السؤال المنفي في الآيات المذكورة، أخص من السؤال المثبت فيها؛ لأن السؤال المنفي فيها مقيد بكونه سؤالاً عن ذنوب خاصة، فإنه قال: ﴿وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [٢٨/٧٨]، فخصه بكونه عن الذنوب، وقال: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ﴾، فخصه بذلك أيضاً، فيتضح من ذلك أن سؤال الرسل والمؤودة مثلاً ليس عن ذنب فعلوه فلا مانع من وقوعه؛ لأن المنفي خصوص السؤال عن ذنب، ويزيد ذلك إيضاحاً قوله تعالى: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ الآية [٣٣/٨]، وقوله بعد سؤاله لعيسى المذكور في قوله: ﴿أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ الآية [٥/١١٦]، ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ الآية [٥/١١٩]، والسؤال عن الذنوب المنفي في الآيات: المراد به سؤال الاستخبار والاستعلام؛ لأنه جل وعلا محيط علمه بكل شيء، ولا ينافي نفي هذا النوع من السؤال ثبوت نوع آخر منه هو سؤال التوبيخ والتقريع؛ لأنه نوع من أنواع العذاب، ويدل لهذا أن سؤال الله للكفار في القرآن كله توبيخ وتقريع كقوله: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ﴾ [٣٧/٢٤، ٢٥]، وقوله: ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ﴾ [٥٢/١٥]، إلى غير ذلك من الآيات وباقي أوجه الجمع مبين في كتابنا المذكور، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ﴾، بين تعالى في هذه الآية


الصفحة التالية
Icon