قال مقيده عفا الله عنه: أظهر الأقوال دليلاً عندي أن السلب لا يخمس لحديث عوف وخالد المتقدم، ويجاب عن أخذ الخمس من سلب البراء بن مالك، بأن الذي تدل عليه القصة أن السلب لا يخمس؛ لأن قول عمر إنا كنا لا نخمس السلب، وقول الراوي كان أول سلب خمس في الإسلام، يدل على أن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر صدراً من خلافته لم يخمسوا سلباً، واتباع ذلك أولى.
قال الجوزجاني: لا أظنه يجوز لأحد في شيء سبق فيه من الرسول ﷺ شيء إلا اتباعه؛ ولا حجة في قول أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن قدامة في "المغني"، والأدلة التي ذكرنا يخصص بها عموم قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ﴾ الآية [٨/٤١].
واختلف العلماء فيما إذا ادعى أنه قتله، ولم يقم على ذلك بينة، فقال الأوزاعي: يعطاه بمجرد دعواه، وجمهور العلماء على أنه لا بد من بينة على أنه قتله.
قال مقيده عفا الله عنه: لا ينبغي أن يختلف في اشتراط البينة لقوله ﷺ في الحديث الصحيح: "من قتل قتيلاً له عليه بينة" الحديث، فهو يدل بإيضاح على أنه لا بد من البينة، فإن قيل: فأين البينة التي أعطى بها النَّبي ﷺ أبا قتادة سلب قتيله السابق ذكره.
فالجواب من وجهين:
الأول: ما ذكره القرطبي في "تفسيره"، قال: سمعت شيخنا الحافظ المنذري الشافعي أبا محمد عبد العظيم يقول: إنما أعطاه النَّبي ﷺ بشهادة الأسود بن خزاعي، وعبد الله بن أنيس، وعلى هذا يندفع النزاع، ويزول الإشكال، ويطرد الحكم اهـ.
الثاني: أنه أعطاه إياه بشهادة الرجل الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق، سلب ذلك القتيل عندي" الحديث، فإن قوله "صدق" شهادة صريحة لأبي قتادة أنه هو الذي قتله؛ والاكتفاء بواحد في باب الخبر، والأمور التي لم يقع فيها ترافع قال به كثير من العلماء، وعقده ابن عاصم المالكي في "تحفته" بقوله: "الرجز"

وواحد يجزىء في باب الخبر واثنان أولى عند كل ذي نظر
وقال القرطبي في "تفسيره": إن أكثر العلماء على إجزاء شهادة واحد، وقيل: يثبت ذلك بشاهد ويمين، والله أعلم.
وأما على قول من قال: إن السلب موكول إلى نظر الإمام، فللإمام أن يعطيه إياه،


الصفحة التالية
Icon