قوله تعالى: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾، ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة من حملهم مع نوح. تنبيهاً على النعمة التي نجاهم بها من الغرق. ليكون في ذلك تهييج لذرياتهم على طاعة الله. أي يا ذرية من حملنا مع نوح، فنجيناهم من الغرق، تشبهوا بأبيكم، فاشكروا نعمنا. وأشار إلى هذا المعنى في قوله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ [١٩/٥٨].
وبين في مواضع أخر الذين حملهم مع نوح من هم؟ وبين الشيء الذي حملهم فيه، وبين من بقي له نسل، وعقب منهم، ومن انقطع ولم يبق له نسل ولا عقب.
فبين أن الذين حملهم مع نوح: هم أهله ومن آمن معه من قومه في قوله: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ﴾ [١١/٤٠].
وبين أن الذين آمنوا من قومه قليل بقوله: ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.
وبين أن ممن سبق عليه القول من أهله بالشقاء امرأته وابنه. قال في امرأته: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ﴾، إلى قوله ﴿ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾، وقال في ابنه: ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾، وقال فيه أيضاً: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾. وقوله: ﴿لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [١١/٤٦]، أي الموعود بنجاتهم في قوله: ﴿فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ...﴾ الآية[٢٣/٢٧]، ونحوها من الآيات.
وبين أن الذي حملهم فيه هو السفينة في قوله: ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا﴾. أي السّفينة، وقوله: ﴿فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾. أي أدخل فيها ـ أي السفينة ـ ﴿مِن كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ﴾ [٢٣/٢٧].
وبين أن ذرية من حمل من نوح لم يبق منها إلا ذرية نوح في قوله: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ [٣٧/٧٧]، وكان نوح يحمد الله على طعامه وشرابه، ولباسه وشأنه كله. فسّماه الله عبداً شكوراً.


الصفحة التالية
Icon