عَلَيْهِ} الآية[٢/١٩٤].
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾. جواب إِذَا في هذه الآية الكريمة محذوف، وهو الذي تتعلق به اللام في قوله: ﴿لِيَسُوءُواْ﴾ وتقديره: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسؤوا وجوهكم. بدليل قوله في الأولى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا...﴾ الآية[١٧/٥]، وخير ما يفسر به القرآن القرآن. قال ابن قتيبة في مشكل القرآن": ونظيره في حذف العامل قول حميد بن ثور:

رأتني بحبليها فصدت مخافة وفي الحبل روعاه الفؤاد فروق
أي رأتني أقبلت، أو مقبلاً. وفي هذا الحرف ثلاث قرآت سبعيات: قرأه على الكسائي «لنسوء وجوهكم» بنون العظمة وفتح الهمزة. أي لنسوءها بتسليطنا إياهم عليكم يقتلونكم ويعذبونكم. وقرأه ابن عامر وحمزة وشعبة عن عاصم «ليسوء وجوهكم» بالياء وفتح الهمزة والفاعل ضمير عائد إلى الله. أي ليسوء هو. أي الله وجوهكم بتسليطه إياهم عليكم.
وقرأه الباقون ﴿لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [١٧/٧]، بالياء وضم الهمزة بعدها واو الجمع التي هي فاعل الفعل، ونصبه بحذف النون، وضمير الفاعل الذي هو واو عائد إلى الذين بعثهم الله عليهم ليسؤوا وجوههم بأنواع العذاب والقتل. قوله تعالى: ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾. لما بين جلَّ وعلا أن بني إسرائيل قضى إليهم في الكتاب أنهم يفسدون في الأرض مرتين، وأنه إذا جاء وعد الأولى منهما: بعث عليهم عباداً له أولي بأس شديد، فاحتلوا بلادهم وعذبوهم. وأنه إذا جاء وعد المرة الآخرة: بعث عليهم قوماً ليسوءوا وجوههم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة، وليتبروا ما علوا تتبيراً.
وبين أيضاً: أنهم إن عادوا للإفساد المرة الثالثة فإنه جلَّ وعلا يعود للانتقام منهم بتسليط أعدائهم عليهم. وذلك في قوله: ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾ [١٧/٨]، ولم يبين هنا: هل عادوا للإفساد المرة الثالثة أو لا؟
ولكنه أشار في آيات أخر إلى أنهم عادوا للإفساد بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتم صفاته ونقض عهوده، ومظاهرة عدوه عليه، إلى غير ذلك من أفعالهم القبيحة. فعاد الله جلَّ وعلا للانتقام منهم تصديقاً لقوله: ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾ [١٧/٨] فسلط عليهم نبيه صلى الله عليه وسلم، والمسلمين. فجرى على بني قريظة والنضير، وبني قينقاع


الصفحة التالية
Icon