قال ابن كثير في تفسيره ﴿تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ أي ليس لها مستند سوى قولهم: ولا دليل لهم عليها إلا كذبهم وافتراؤهم، ولذا قال: ﴿إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا﴾ [١٨/٥].
وهذا المعنى الذي ذكره ابن كثير له شواهد في القرآن. كقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ ونحو ذلك من الآيات.
والكذب: مخالفة الخبر للواقع على أصح الأقوال.
لفظة «كبر» إذا أريد بها غير الكبر في السن فهي مضمومة الباء في الماضي والمضارع، كقوله: هنا ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾، وقوله: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ [٣/٦١]، وقوله: ﴿أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ﴾ [١٧/٥١] ونحو ذلك.
وإن كان المراد بها الكبر في السن فهي مكسورة الباء في الماضي، مفتوحتها في المضارع على القياس، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا﴾ [٤/٦]، وقول المجنون:

تعشقت ليلى وهي ذات ذوائب ولم يبد للعينين من ثديها حجم
صغيرين نرعى إليهم يا ليت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
وقوله: في هذا البيت «صغيرين» شاهد عند أهل العربية في إتيان الحال من الفاعل والمفعول معاً.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾ يعني بالكلمة: الكلام الذي هو قولهم: ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الله يطلق اسم الكلمة على الكلام أوضحته آيات أخر. كقوله: ﴿كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا...﴾ الآية [٢٣/١٠٠]، والمراد بها قوله: ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾ [٢٣/٩٩-١٠٠]. وقوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [١١/١١٩]، وما جاء لفظ الكلمة في القرآن إلا مراداً به الكلام المفيد.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿عِوَجَا﴾ هو بكسر العين في المعاني كما في هذه الآية الكريمة. وبفتحها فيما كان منتصباً كالحائط.


الصفحة التالية
Icon