قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً﴾، قال الزمخشري في معنى هذه الآية الكريمة: ﴿ما عليها﴾ يعني: ما على الأرض مما يصلح أن يكون زينة لها ولأهلها من زخارف الدنيا وما يستحسن منها.
وقال بعض العلماء: كل ما على الأرض زينة لها من غير تخصيص. وعلى هذا القول ـ فوجه كل الحيات وغيرها مما يؤدي زينة للأرض. لأنه يدل على وجود خالقه، واتصافه بصفات الكمال والجلال، ووجود ما يحصل به هذا العلم في شيء زينة له.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان المذكورة فيه ـ أن يذكر لفظ عام ثم يصرح في بعض المواضع بدخول بعض أفراد ذلك العام فيه، كقوله تعالى: ﴿ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الآية[٢٢/٣٢]. مع تصريحه بأن البدن داخلة في هذا العموم بقوله: ﴿والْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الآية [٢٢/٣٦].
وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله: في هذه الآية الكريمة: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا﴾ [١٨/٧] قد صرح في مواضع أخر ببعض الأفراد الداخلة فيه، كقوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الآية [١٨/٤٦]، وقوله: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ الآية [١٦/٨]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله: في هذه الآية الكريمة: ﴿صَعِيداً جُرُزاً﴾ [١٨/٨]، أي أرضاً بيضاء لانبات بها. وقد قدمنا معنى «الصعيد» بشواهده العربية في سورة «المائدة».
والجرز: الأرض التي لانبات بها كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ﴾ [٣٢/٢٧] ومنه قول ذي الرمة:
طوى النحز والأجراز ما في غروضها | وما بقيت إلا الضلوع الجراشع |
قال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا﴾ [١٨/٨] من هذه الزينة صعيداً أو جرزاً، أي مثل أرض بيضاء لا نبات فيها بعد أن كانت خضراء معشبة في إزالة بهجته، وإماطة حسنه، وإبطال ما به ـ كان زينة من إماتة الحيوان، وتجفيف