قالوا ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ هم الذين علموا أن لبثهم قد تطاول. ولقائل أن يقول: قوله: عنهم ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ يدل على أنهم لم يحصوا مدة لبثهم. والله تعالى أعلم.
وقد يجاب عن ذلك بأن رد العلم إلى الله لا ينافى العلم، بدليل أن الله أعلم نبيه بمدة لبثهم في قوله: ﴿وَلَبِثُواْ فِى كَهْفِهِمْ﴾ الآية[٨/٢٥]، ثم أمره برد العلم إليه في قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ الآية[١٨/٢٦].
وقوله: ﴿بَعَثْنَاهُمْ﴾ أي من نومتهم الطويلة. والبعث: التحريك من سكون، فيشمل بعث النائم والميت، وغير ذلك.
وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يذكر الله جل وعلا حكمة لشيء في موضع، ويكون لذلك الشيء حكم أخر مذكورة في مواضع أخرى ـ فإنا نبينها. ومثلنا لذلك، وذكرنا منه أشياء متعددة في هذا الكتاب المبارك.
وإذا علمت ذلك فاعلم أنه تعالى هنا في هذه الآية الكريمة بين من حكم بعثهم إظهاره للناس: أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً. وقد بين لذلك حكماً أخر في غير هذا الموضع.
منها ـ أن يتساءلوا عن مدة لبثهم، كقوله: ﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ﴾ الآية [١٨/١٩].
ومنها ـ إعلام الناس أن البعث حق، وأن الساعة حق لدلالة قصة أصحاب الكهف على ذلك. وذلك في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا﴾ الآية [١٨/٢١].
واعلم أن قوله: جل وعلا في هذه الآية الكريمة ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ﴾ الآية، لا يدل على أنه لم يكن عالماً بذلك قبل بعثهم، وإنما علم بعد بعثهم. كما زعمه بعض الكفرة الملاحدة بل هو جل وعلا عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون، لا يخفى عليه من ذلك شيء. والآيات الدالة على ذلك لا تحصى كثر.
وقد قدمنا ـ أن من أصرح الأدلة على أنه جل وعلا لا يستفيد بالاختبار والابتلاء علماً جديداً سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً ـ قوله: تعالى في آل عمران: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [٣/١٥٤]، فقوله: