وقد قدمنا في سورة النساء: أن علي بن سليمان الأخفش الصغير أجاز النصب بنزع الخافض عند أمن اللبس مطلقاً. ولكن نصب قوله: ﴿أَمَدًا﴾، بقوله: ﴿لَبِثُواْ﴾ غير سديد كما ذكره الزمخشري وابن عطية وكما لا يخفى ا هـ.
وأجاز الكوفيون نصب المفعول بصيغة التفضيل، وأعربوا قول العباس بن مرداس السلمي:
فلم أر مثل الحي حياً مصبحا | ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا |
أكر وأحمي الحقيقة منهم | وأضرب منا بالسيوف القوانسا |
قال مقيده عفا الله عنه، وغفر له: ومذهب الكوفيين هذا أجرى عندي على المعنى المعقول. لأن صيغة التفضيل فيها معنى المصدر الكامن فيها فلا مانع من عملها عمله.
ألا ترى أن قوله: وأضرب منا بالسيوف القوانسا معناه: يزيد ضربنا بالسيوف القوانس على ضرب غيرنا، كما هو واضح. وعلى هذا الذي قررنا فلا مانع من كون ﴿أَمَدًا﴾ منصوب بـ ﴿أَحْصَى﴾ نصب المفعول به على أنه صيغة تفضيل. وإن كان القائلون بأن ﴿أَحْصَى﴾ صيغة تفضيل أعربوا ﴿أَمَدًا﴾ بأنه تمييز.
تنبيه
فإن قيل: ما وجه رفع ﴿أَيُّ﴾ من قوله: ﴿لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى﴾ الآية، مع أنه في محل نصب لأنه مفعول به؟ فالجواب ـ أن العلماء في ذلك أجوبة، منها، أن ﴿أَيُّ﴾ فيها معنى الاستفهام، والاستفهام يعلق الفعل عن مفعوليه كما قال ابن مالك في الخلاصة عاطفاً على ما يعلق الفعل القلبي عن مفعوليه:
وإن ولا لام ابتداء أو قسم | كذا والاستفهام ذاله انحتم |