وإما إطلاقاها في القرآن فالأول منهما ـ إطلاقها على الآية الكونية القدرية، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [٣/١٩٠] أي علامات كونية قدرية، يعرف بها أصحاب العقول السليمة أن خالقها هو الرب المعبود وحده جل وعلا. والآية الكونية القدرية في القرآن من الآية بمعنى العلامة لغة.
وأما إطلاقها الثاني في القرآن فهو إطلاقها على الآية الشرعية الدينية، كقوله: ﴿رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ...﴾ الآية [٦٥/١١] ونحوها من الآيات.
والآية الشرعية الدينية قيل: هي من الآية بمعنى العلامة لغة، لأنها علامات على صدق من جاء بها. أو أن فيها علامات على ابتدائها وانتهائها.
وقيل: من الآية. بمعنى الجماعة، لاشتمال الآية الشرعية الدينية على طائفة وجماعة من كلمات القرآن.
قوله تعالى: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً﴾. بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الهدى والإضلال بيده وحده جل وعلا، فمن هداه فلا مضل له، ومن أضله فلا هادي له.
وقد أوضح هذا المعنى في آيات كثيرة جداً، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً...﴾ الآية [١٧/٩٧]، وقوله: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [٧/١٧٨]، وقوله: ﴿نَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ...﴾ الآية [٢٨/٥٦]، وقوله: ﴿وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً...﴾ الآية [٥/٤١]، وقوله: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [١٦/٣٧]، وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [٦/١٢٥] والآيات بمثل هذا كثيرة جداً.
ويؤخذ من هذه الآيات وأمثالها في القرآن: بطلان مذهب القدرية: أن العبد مستقل بعمله من خير أو شر، وأن ذلك ليس بمشيئة الله بل بمشيئة العبد. سبحانه جل وعلا عن أن يقع في ملكه شيء بدون مشيئته وتعالى عن ذلك علواً كبيراً! وسيأتي بسط


الصفحة التالية
Icon