وبهذه المناسبة سنذكر إن شاء الله الأدلة من الكتاب والسنة على صحة الوكالة وجوازها، وبعض المسائل المحتاج إليها من ذلك، تنبيهاً بها على غيرها.
اعلم أولاً ـ أن الكتاب والسنة والإجماع كلها دل على جواز الوكالة وصحتها في الجملة. فمن الآيات الدالة على ذلك قوله: تعالى هنا: ﴿فَابْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ﴾ هذه الآية، وقوله تعالى: ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا...﴾ الآية [٩/٦٠]، فإن عملهم عليها توكيل لهم على أخذها.
واستدل لذلك بعض العلماء أيضاً بقوله: ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي...﴾ الآية [١٢/٩٣]. فإنه توكيل لهم من يوسف على إلقائهم قميصه على وجه أبيه ليرتد بصيراً.
واستدل بعضهم لذلك أيضاً بقوله: تعالى عن يوسف: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾ الآية [١٢/٥٥]، فإنَّه توكيل على ما في خزائن الأرض.
وأما السنة فقد دلت أحاديث كثيرة على جواز الوكالة وصحتها. من ذلك حديث أبي هريرة للتقدم في كلام القرطبي، الدال على التوكيل في قضاء الدين، وهو حديث متفق عليه. وأخرج الجماعة إلا البخاري من حديث أبي رافع عن النَّبي ﷺ نحوه.
ومنها حديث عروة بن أبي الجعد البارقي: أن النَّبي ﷺ أعطاه ديناراً ليشتري به له شاة، فاشترى له شاتين: فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة، فدعا بالبركة في بيعه. وكان لو اشترى التراب لربح فيه" رواه الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وفيه التوكيل على الشراء.
ومنها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت رسول الله ﷺ فقلت: إني أردت الخروج إلى خيبر؟ فقال: "إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً، فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته" أخرجه أبو داود والدارقطني. وفيه التصريح منه ﷺ بأن له وكيلاً.
ومنها قوله: ﷺ في الحديث الصحيح:
"واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" وهو صريح في التوكيل في إقامة الحدود.
ومنها حديث علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله ﷺ أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها، وألا أعطي الجازر منها شيئاً ـ وقال: "نحن نعطيه من


الصفحة التالية
Icon