يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [٤٣/٣٦] وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾ الآية [١١٤/١-٤]. أي الوسواس عند الغفلة عن ذكر الله. الخناس الذي يخنس ويتأخر صاغراً عند ذكر الله، فإذا ذهب الشيطان النسيان. وقال بعضهم: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [١٨/٢٤] أي صل الصلاة التي كنت ناسياً لها عند ذكرك لها، كما قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [٢٠/١٤] وقول من قال إذا نسيت، أي إذا غضبت ظاهر السقوط.
مسألة
اشتهر على ألسنة العلماء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه استنبط من هذه الآية الكريمة. أن الاستثناء يصح تأخيره عن المستثنى منه زمناً طويلاً قال بعضهم إلى شهر. وقال بعضهم: إلى سنة. وقال بعضهم عنه: له الاستثناء أبداً. ووجه أخذه ذلك من الآية: أن الله تعالى نهى نبيه أن يقول: إنه سيفعل شيئاً في المستقبل إلا من الاستثناء بإن شاء الله. ثم قال: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾، أي إن نسيت تستثنى بإن شاء الله فاستثن إذا تذكرت من غير تقييد باتصال ولا قرب.
والتحقيق الذي لا شك فيه ـ أن الاستثناء لا يصح إلا مقترناً بالمستثنى منه. وأن الاستثناء المتأخر لا أثر له ولا تحل به اليمين. ولو كان الاستثناء المتأخر يصح لما علم في الدنيا أنه تقرر عقد ولا يمين ولا غير ذلك، لاحتمال طرو الاستثناء بعد ذلك، وهذا في غاية البطلان كما ترى. ويحكى عن المنصور أنه بلغه أن أبا حنيفة رحمه الله يخالف مذهب ابن عباس المذكور. فاستحضره لينكر عليه ذلك، فقال الإمام أبو حنيفة للمنصور: هذا يرجع عليك إنك تأخذ البيعة بالأيمان، أفترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك؟ فاستحسن كلامه ورضي عنه.
فائدة
قال ابن العربي المالكي: سمعت فتاة ببغداد تقول لجارتها: لو كان مذهب ابن عباس صحيحاً في الاستثناء ما قال الله تعالى لأيوب: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ﴾ [٣٨/٤٤] بل يقول استثن بإن شاء الله ـ انتهى منه بواسطة نقل صاحب نشر البنود في شرح وقوله: في مراقي السعود:


الصفحة التالية
Icon