ليجلب له ما لا يقدر على جلبه من النفع، ويدفع عنه ما لا يقدر على دفعه من الضر. كما قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [٤/٣٤].
وإذا علمت ذلك فاعلم: أنه لما كانت الحكمة البالغة، تقتضي أن يكون الضعيف الناقص مقوماً عليه من قبل القوي الكامل، اقتضى ذلك أن يكون الرجل ملزماً بالإنفاق على نسائه، والقيام بجميع لوازِمهن في الحياة. كما قال تعالى: ﴿وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [٤/٣٤]، ومال الميراث ما مسحا في تحصيله عرقاً، ولا تسببا فيه البتة، وإنما هو تمليك من الله ملكهما إياه تمليكاً جبرياً. فاقتضت حكمة الحكيم الخبير أن يؤثر الرجل على المرأة في الميراث وإن أدليا بسبب واحد. لأن الرجل مترقب للنقص دائماً بالإنفاق على نسائه، وبذل المهور لهن، والبذل في نوائب الدهر. والمرأة مترقبة للزِّيادة بدفع الرجل لها المهر، وإنفاقه عليها وقيامه بشؤونها. وإيثار مترقب النقص دائماً على مترقب الزيادة دائماً لجبر بعض نقصه المترقب ـ حكمته ظاهرة واضحة، لا ينكرها إلا من أعمى الله بصيرته بالكفر والمعاصي. ولذا قال تعالى: ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [٤/١١]، ولأجل هذه الحكم التَّي بينا بها فضل نوع الذكر على نوع الأنثى في أصل الخلقة والطبيعة، جعل الحكيم الخبير الرجل هو المسؤول عن المرأة في جميع أحوالها. وخصه بالرسالة والنبوة والخلافة دونها، وملكه الطلاق دونها. وجعله الولي في النكاح دونها، وجعل انتساب الأولاد إليه لا إليها، وجعل شهادته في الأموال بشهادة امرأتين في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [٢/٢٨٢]، وجعل شهادته تقبل في الحدود والقصاص دونها، إلى غير ذلك من الفوارق الحسية والمعنوية والشرعية بينهما.
ألا ترى أن الضعف الخلقي والعجز عن الإبانة في الخصام عيب ناقص في الرجال،
مع أنه يعد من جملة محاسن النساء التي تجذب إليها القلوب. قال جرير:

إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله أركانا
وقال ابن الدمينة: بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له ببعض الأَذى لم يدر كيف يجيب


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
فلم يعتذر عذر البريء ولم تزل به سكتة حتى يقال مريب