بَدَلاً}، الهمزة فيه للإنكار والتوبيخ، ولا شك أن فيها معنى الاستبعاد كما تقدم نظيره مراراً. أي أبعد ما ظهر منه من الفسق والعصيان، وشدة العداوة لكم ولأبويكم آدم وحواء ـ تتخذونه وذريته أولياء من دون خالقكم جل وعلا بئس للظالمين بدلاً من الله إبليس وذريته وقال ﴿للظَّالِمِينَ﴾ لأنهم اعتاضوا الباطل من الحق، وجعلوا مكان ولايتهم لله ولايتهم لإبليس وذريته. وهذا من أشنع الظلم الذي هو في اللغة: وضع الشيء في غير موضعه. كما تقدم مراراً. والمخصوص بالذم في الآية محذوف دل عليه المقام، وتقديره: بئس البدل من الله إبليس وذريته. وفاعل ﴿بئس﴾ ضمير محذوف يفسره التمييز الذي هو ﴿بدلاً﴾ على حد قوله: له في الخلاصة:
ويرفعان مضمراً يفسره | مميز كنعم قوماً معشره |
وقد بين في غير هذا الموضع: أن الذين اتخذوا الشياطين أولياء بدلاً من ولاية الله يحسبون أنهم في ذلك على حق. كقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [٧/٣٠]. وبين في مواضع أخر أن الكفار أولياء الشيطان. كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ...﴾ الآية [٤/٧٦]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [٧/٢٧]، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ...﴾ [٢/٢٥٧]، وقوله: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [٣/١٧٥]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله: في هذه الآية الكريمة: ﴿وَذُرّيَّتَهُ﴾ [١٨/٥٠] دليل على أن للشيطان ذرية. فادعاء أنه لا ذرية له مناقض لهذه الآية مناقضة صريحة كما ترى. وكل ما ناقض صريح القرآن فهو باطل بلا شك ولكن طريقة وجود نسله هل هي عن تزويج أو غيره. لا دليل عليها من نص صريح، والعلماء مختلفون فيها. وقال الشعبي: سألني الرجل: هل لإبليس زوجة؟ فقلت: إن ذلك عرس لم أشهده ثم ذكرت قوله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ