الباهلي، حدثنا عبد الأعلى عن سعيد الجريري عن أبي العلاء: أن عثمان بن أبي العاص أتى النَّبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك شيطان يقال له خنرب. فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثاً" قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني.
وتحريش الشيطان بين الناس وكون إبليس يضع عرشه على البحر، ويبعث سرايا فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة، كل ذلك معروف ثابت في الصحيح. والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾، التحقيق في معنى هذه الآية الكريمة: أن الله يقول: ما أشهدت إبليس وجنوده؛ أي ما أحضرتهم خلق السموات والأرض، فأستعين بهم على خلقها ولا خلق أنفسهم، أي ولا أشهدتهم خلق أنفسهم، أي ما أشهدت بعضهم خلق بعضهم فأستعين به على خلقه، بل تفردت بخلق جميع ذلك يغير معين ولا ظهير فكيف تصرفون لهم حقي وتتخذونهم أولياء من دوني وأنا خالق كل شيء؟
وهذا المعنى الذي أشارت له الآية من أن الخالق هو المعبود وحده ـ جاء مبيناً في آيات كثيرة، وقد قدمنا كثيراً منها في مواضع متعددة، كقوله: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ [١٦/١٧]، وقوله: ﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [١٣/١٦]، وقوله: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [٣١/١١]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ...﴾ الآية [٣٥/٤٠]، وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ﴾ [٤٦/٤]، إلى غير ذلك من الآيات كما قدمناه مراراً. وقال بعض العلماء ﴿وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ أي: ما أشهدتهم خلق أنفسهم؛ بل خلقتهم على ما أردت وكيف شئت.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾ [١٨/٥١] فيه الإظهار في محل الإضمار، لأن الأصل الظاهر. وما كنت متخذهم عضداً، كقوله: ﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ﴾ والنكتة البلاغية في الإظهار في محل الإضمار هي ذمه تعالى لهم بلفظ


الصفحة التالية
Icon