لا ارتباط أصلاً بين طرفيها، فليس أحدهما سبباً في الآخر، ولا ملزوماً له، كما لو قلت: إن كان الإنسان ناطقاً فالفرس صاهل، فلا ربط بين الطرفين، لأن الجزاء في الاتفاقية له سبب آخر غير مذكور، كقولك: لو لم يخف الله لم يعصه، لأن سبب انتفاء العصيان ليس هو عدم الخوف الذي هو الشرط، بل هو شيء آخر غير مذكور، وهو تعظيم الله جل وعلا، ومحبته المانعة من معصيته. وكذلك قوله: هنا: ﴿فَلَنْ يَهْتَدُواْ إِذاً أَبَداً﴾، سببه الحقيقي غير مذكور معه فليس هو قوله: وإن تدعهم كما ظنه الزمخشري وأبو حيان وغيرهما. بل سببه هو إرادة الله جل وعلا انتفاء اهتدائهم على وفق ما سبق في علمه أزلاً.
ونظير هذه الآية الكريمة في عدم الارتباط بين طرفي الشرطية قوله تعالى: ﴿لْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾ [٣/١٥٤]، لأن سبب بروزهم إلى مضاجعهم شيء آخر غير مذكور في الآية، وهو ما سبق في علم الله من أن بروزهم إليها لا محالة واقع، وليس سببه كينونتهم في بيوتهم المذكورة في الآية. وكذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ...﴾ الآية[١٨/١٠٩]، إلى غير ذلك من الآيات. وقد أوضحت الفرق بين الشرطية اللزومية والشرطية الاتفاقية في أرجوزتي في المنطق وشرحي لها في قولي:
مقدم الشرطية المتصله | مهما تكن صحبة ذاك التال له |
لموجب قد اقتضاها كسبب | فهي اللزومية ثم إن ذهب |
موجب الاصطحاب ذا بينهما | فالاتفاقية عند العلما |
فلو قلت: كلما كان الشيء حيواناً كان إنساناً لم يصدق، لأن اللزوم في أحد الطرفين لا يقتضي الملازمة في كليهما، ومطلق اللزوم تكون به الشرطية لزومية، أما إذا عدم اللزوم من أصله بين طرفيها فهي اتفاقية. ومثالها: كلمة كان الإنسان ناطقاً كان الحمار ناهقاً. وبسبب عدم التنبه للفرق بين الشرطية اللزومية، والشرطية الاتفاقية ـ ارتبك خلق كثير من النحويين والبلاغيين في الكلام على معنى لو لأنهم أرادوا أن يجمعوا في