عذابهم، بل هو تعالى جاعل لهم موعداً يعذبهم فيه، لا يتأخر العذاب عنه ولا يتقدم.
وبين هذا في مواضع أخر، كقوله في النحل: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [١٦/٦١]، وقوله في آخر سورة فاطر: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً﴾ [٣٥/٤٥]، وكقوله: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ [١٤/٢٤]، وكقوله: ﴿وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ...﴾ الآية[٢٩/٥٣].
وقد دلت آيات كثيرة على أن الله لا يؤخر شيئاً عن وقته الذي عين له ولا يقدمه عليه، كقوله: ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ [٦٣/١١]، وقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [٧/٣٤]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ...﴾ الآية[٧١/٤]، وقوله: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ [١٣/٣٨]، وقوله: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ﴾ [٦/٦٧]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله: في هذه الآية الكريمة: ﴿لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً﴾ [١٨/٥٧] أي ملجأ يلجؤون إليه فيعتصمون به من ذلك العذاب المجعول له الموعد المذكور. وهو اسم مكان، من وأل يئل وألا ووؤلاً بمعنى لجأ. ومعلوم في فن الصرف أن واوي الفاء من الثلاثي ينقاس مصدره الميمي واسم مكانه وزمانه، على المفعل بكسر العين كما هنا، ما لم يكن معتل اللام فالقياس فيه الفتح كالمولى. والعرب تقول: لا وألت نفسه، أي لا وجدت منجى تنجو به، ومنه قول الشاعر:
لا وألت نفسك خليتها... للعامرين ولم تكلم
وقال الأعشى:
وقد أخالس رب البيت غفلته... وقد يحاذر مني ثم ما يئل
أي ما ينجو.
وأقوال المفسرين في الموئل راجعة إلى ما ذكرنا، كقول بعضهم: موئلاً محيصاً، وقول بعضهم منجى. وقول بعضهم محرزاً، إلى غير ذلك. فكله بمعنى ما ذكرنا.


الصفحة التالية
Icon